قَالَ أَبَو الفتح : قولُهُ : (بِإِيمانِهِم) معطوف على قوله : (بَيْنَ أَيْدِيِهم).
فَإنْ قُلْتَ : فَإنَّ قَولِهِ : (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ظَرفٌ ، وقَوله : (بِإِيْمَانِهِم) لَيْسَ ظَرْفاً.
أَلاّ تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ معَناهُ يَسْعَى فِي أَيمَانِهِم (١)؟ فَكَيفَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ
عَلَى الظرفِ مَا ليسَ ظرفاً وقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ العَطْفَ بالواو نَظِيرُ التثنيةِ والتثنيةُ تُوجِبُ تَمَاثُلَ الشَّيءِ؟ قِيلَ : الظَّرْفُ الَّذِي هُو (بَيْنَ أَيْديِهم) مَعْنَاهُ الحالُ وهْو مَتَعَلّقٌ بِمَحْذُوف ، أَيْ : يَسْعَى كَائِنَاً بينَ أَيْدِيِهم ، ولَيسَ (بَيْنَ أَيْدِيِهم) متعلّقاً بِنَفْسِ يَسْعَى ، كَقَولِكَ : سَعَيْتُ بينَ القومِ وسَعَيْتُ فِي حاجَتِي.
وإذَا كَانَ الظَّرْفُ هُنَا فِي موضعِ الحالِ جَازَ أَنْ يُعطفَ عَلَيْهِ الباءُ ومَا جَرَّته حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : يَسْعَى كَائِنَاً بَيْنَ أَيْدِيِهم ، وكَائِناً بِإِيمانِهِم ، أَيْ : إِنَّمَا حَدَثَ السَّعْيُّ كَائِناً بِإِيْمَانِهِم ، كَقَولِ اللهِ تَعَالى : (ذَلِك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ) (٢) ، أَيْ : ذَلِك كَائِنٌ بِذَلِكَ.
فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَولُهُ : (وبِإِيمَانِهِم) فَأَمَّا أَنْ يُعَلَّقَ (بَيْنَ) بِنَفسِ (يَسْعَى) ويُعْطَفَ عَلَيهِ (بِإِيمَانِهِم) فَلا ، لِمَا تَقَدَّمَ (٣).
ومِنْ ذَلِك قرِاءةُ سَهْلِ بنِ شُعَيب : (بِإِيمَانِهم) (٤) مَكْسُورة الهمزة.
قَالَ أَبو الفتح : قَدْ تَقَدَّمَ القولُ عَلَى ذَلِكَ وأَ نّه مَعْطُوفٌ عَلَى الظرفِ عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ حَالٌ (٥).
__________________
(١) قَالَ الأَخْفَش : (يُريدُ عَنْ أَيمانهم) ، وقَال الفرَّاءُ : الباء في (بِأيمانِهم في معني في).
معاني القرآن للأخفش : ١٧٣ / آ ومعاني القرآن للفرّاء : ٣ / ١٣٢.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ١٠.
(٣) المحتسب : ٢ / ٣١١.
(٤) من قوله تعالى من سورة التحريم : ٦٦ / ٨ : (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ).
(٥) المحتسب : ٢ / ٣٢٤.