قَالَ أَبو الفَتْحِ : فَإنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى دخول (بل) هنا ، وإنَّمَا هيَ جوابِ الاستفهامِ؟ وأَنتَ لا تقولُ لِمَنْ قَالَ لَك : أَزيد عِنْدَك؟ : بَلْ هُو عِنْدِي ، وإنَّمَا تَقُولُ : نَعَمْ ، أو لاَ.
قِيلَ : الكلاُم مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ ، وذَلِك فِي قَولِهِم : (أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم) (١) مَعْنَاهُ الإِنكارُ لَهُ ، والرَّدُّ عليهم في قولِ المُسْتَضْعَفِينَ لَهُمْ : (لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٢) فَكَأَ نَّهُم قَالُوا لَهُمْ فِي الجوابِ : مَا صَدَدْنَاكُم ، فَرَدُّوه ثَانِيةً عَلَيْهِم ، فَقَالُوا : بَلْ صَدَّنَا عَنْهُ تَصَرَّمُ الزَّمانِ عَلَينا وأَنْتُم تَأْمرونَنَا أَنْ نَكْفُرَ باللّهِ.
وقَدْ كَثُرَ عَنْهُمْ تَأَويلُ مَعْنَى النَّفِي وإنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً إِلى بادئ اللفظ قَالَ اللهُ تَعَالَى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (٣) أيْ مَا حَرَّمَ إِلاَّ الفَواحِشَ ، وعَليهِ بيتُ الفرزدق :
أنا الدَّافِعُ الحَامِي الذِّمَارَ وإنَّما |
|
يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِكُم أَنَا أَو مِثْلي (٤) |
أَيْ : مَا يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِكُم إِلاّ أَنَا. ولِذَلِك عِنْدَنَا ما (٥) فَصَلَ الضَّميرَ
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٣٢.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٣١.
(٣) سورة الأَعراف : ٧ / ٣٣.
(٤) يروى صدر البيت :
أَنا الضامِنُ الرَّاعي عَلَيْهم وَإنَّمَا |
|
...... |
كما يروى (أَحسابهم) مكان (أَحسابكم). الديوان : ٧١٢ وشرح المفصل : ٢ / ٩٥ و ٨ / ٩٦ والمغني : ١ / ٣٠٨ والهمع : ١ / ٦٢ وشرح التصريح : ١ / ١٠٦ وشرح الأشموني : ١ / ١١٦ والدرر اللوامع : ١ / ٣٩.
(٥) ما زائدة.