والمفتوحُ لا يُسَكَّنُ استخفافاً ، وأ نَّـمَـا ذَلِك فِي المَضْمُومِ والمَكْسُورِ نَحو كَرْمُ زيد وعِلْم اللهِ. فَإِذَا كَانَ كَذلِك كَانَتْ (أَو) هَذِهِ حَرْفاً واحداً ، إِلاَّ أَنَّ مَعَنَاهَا مَعْنَى بَلْ لِلتَّرْكِ والتَّحَوُّلِ ، بمنزلةِ أَمْ المنقطعة ، نحو قولِ العَرَبِ : إنَّها لاَبِلٌ أَمْ شَاءٌ (١) ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : بَلْ أَهْيَ شَاءٌ؟ فَكَذَلِك مَعْنَى (أو) ها هنا حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) بَلْ (كَلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدَاً نَبَذَهُ فَريقٌ مِنهم). يؤكّد ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) ، فكأ نَّهُ قال : بل كُلَّمَا عاهدُوا عَهْداً بَلْ أكثرهم لا يؤمنون.
و (أَو) هَذِه التي بِمَعَنى أَمِ المنقطعة ـ وكِلْتَاهُمَا بِمَعْنَى بَلْ ـ مَوجُودَة فِي الكَلامِ كثيراً ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَتَهَدَّدُهُ : واللهِ لاََفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا ، فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ : أَو يُحْسِنُ اللهُ رَأَيْكَ ، أو يُغَيِّرُ اللهُ مَا فِي نَفْسِك. مَعْنَاهُ : بَلْ يُحْسِنَ اللهُ رَأَيَكَ ، بَلْ يُغيِّرُ اللهُ مَا فِي نَفْسِكَ. وإلى نحو هَذَا ذَهَب الفرَّاءُ (٢) فِي قَولِ ذِي الرِّمَّة :
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمسِ فِي رَونَقِ الضْحَى |
|
وصورَتِها أَو أَنْتِ فِي العَيْنِ أَمْلَحُ (٣) |
قَالَ : مَعْنَاهُ : بَلْ أَنتِ فِي العينِ أَمْلَحُ (٤) ، وكَذَلِك قَالَ في قَولِ اللهِ تعالى :
__________________
(١) انظر : الكتاب : ١ / ٤٨٤ ومعاني الحروف : ٧٠ والأُزهية : ١٣٦ ورصف المباني : ٩٥ والمغني : ١ / ٤٥ وشرح المفصل : ٨ / ٩٧.
(٢) قال أبو الفتح : (أو إنَّمَا أصْلُ وضْعِها أنْ تَكُونَ لاَِحَدِ الشَّيئَينِ أَينَ كَنتْ وكَيفَ تَصَرَّفَت. فَهْيَ عِنْدَنَا عَلَى ذَلِكَ وإنْ كَانَ بَعضُهُم قَدْ خَفِيَ عَلَيهِ هَذَا مِنْ حَالِهَا فِي بعضِ الأحْوال حَتَّى دَعَاهُ إلى نَقلهَا عَنْ أَصلِ بِابِهَا وذَلكَ أَنْ الفرَّاءَ قَالَ : قَدْ تأتِي بِمَعنَى بِلْ). الخصائص : ٢ / ٤٥٧.
(٣) اُنظر : معاني القرآن للفرّاء : ١ / ٧٢ والخصائص : ٢ / ٤٥٨ والأُزهية : ١٢٨ والخزانة
ـ بولاق ـ ٤ / ٤٢٣. وليس في ديوان ذي الرِّمَّة.
(٤) انظر : معاني القرآن للفرّاء : ١ / ٧٢.