قَولِهِ (لاَ مَسَاسِ) نَفْي لِلْفِعْلِ كَقَولِكَ : لاَ أَمسَّكَ ولاَ أَقْرَبُ مِنْك فَكَأَ نَّهُ حِكَايَةُ قَولِ القائِلِ : مَسَاسِ كَدَرَاكِ ونَزالِ فَقَالَ : لاَ مَسَاسِ (١) ، أَيْ : لا أَقولُ : مَسَاسِ ، وكَان أَبُو عَليّ ينعم التأَمّل لهذا الموضِعِ لِمَا ذَكَرْتُهُ لك (٢).
وقَالَ الكميت :
...... |
|
...... لاَ هَمَامِ لِي لاَ هَمَامِ (٣) |
أيْ لاَ أَقول هَمَامِ فَكَأَ نَّهُ مِنْ بَعْدُ لاَ أَهِمَّ بِذَلِك ولاَ بُدَّ مِنْ الحِكَايةِ أَنْ تَكُونَ مقدرةً ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يجوزُ أَنْ تَقُولَ : لاَ اضربْ ، فتنفي بـ (لا) لفظَ الأمر ، لتنافي اجتماع الأمرِ والنَّهي. فالحكايَةُ إِذاً مُقَدَّرَةٌ مُعْتَقَدَةٌ.
فَإنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنْتَ لاَ تَقَولُ : مَسَاسِ فِي مَعْنَى امسس ، فيا ليت شعري ما الَّذي بنيت؟ قِيلَ : لَيْسَ هَذَا أَولَ معتقد مُعتَزَم تقديراً ، وإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى اللَّفظِ استعمالاً ، ألاَ تَرَى إلَى مَلاَمِح وليال فِي قَولِ سيبويه ومَذَاكير ومَشَابِه (٤) لا آحَادَ لَهَا مُسْتَعْمَلة وإنَّما هِيَ مُرادَةٌ مَتْصُورَةٌ مُعْتَقَدَةُ ، فَكَأَنَّ
__________________
(١) أَخَذَ صاحبُ اللسانِ هَذَا التخريج عن ابن جِنِّي. انظر : اللسان : ١٦ / ١٠٣.
(٢) قال سيبويه : العرب تقول : أَنتَ لاَ مَسَاسِ ، ومَعنَاهُ لاَ تَمُسَّني ، ولا أمَسُّكَ ، دَعْنِي كِفافِ فَهَذَا مَعْدُولٌ عَنْ مُؤنّث وإنْ كَانُوا لَم يَسْتَعْمِلوا فِي كَلاَمِهِم ذَلِكَ المَؤنَّثَ الّذي عُدِلَ عَنهُ. انظر : الكتاب : ٢ / ٣٩.
(٣) البيت بتمامه :
عادلاً غيرَهُـمْ مِنَ الناسِ طُـرا |
|
بِهُمُ ، لا هَمَام لِي لاَ هَمَـامِ |
وضمير (غَيرَهُمْ) يَعُودَ عَلَى آلِ البيَتِ الذينَ يَمدَحُهُم بهَذَا البيتِ.
انظر : أساس البلاغة : ٢ / ٥٥٣ واللسان : ١٦ / ١٠٣.
(٤) قال سيبويه : «جَاءَ بعضُ الجمعِ عَلَى غير مَا يُسْتَعْمَل واحداً في الكلامِ نحو : مَذَاكير