والَّذي حَسَّن الوقوفَ عَلَيْهَا حَتَّى نَطَقَ بِالهاءِ فِيها ما أَذْكُرُهُ لَكَ وهُو أَنَّ هيهاة جاريةٌ مَجرَى الفعلِ فِي اقتضائِها الفاعل ، فَإذَا قَالَ : هَيْهَاتَ فَكَأَ نَّهُ قَالَ : بَعُدَ بَعْثُكُمْ ، بَعُدَ إنْشَاؤكُم ، بَعُدَ إخْراجُكُم ، فَإذَا وقَفَ عَلَيهِ أَعْلَمَ أَنّ فِيهِ فَاعلاً مَضْمَراً وأَنَّ الكلمةَ قَدِ اسْتَقَلَّتْ بالضميرِ الذِي فِيهَا ، وإذا وصَلَهَا بالأُخْرَى أَوهم حاجةَ الأولى إلى الآخِرَةِ ، فَأَذِنَ بالوقُوفِ عَلَيْهَا باسْتِقْلاَلِهَا ، وغنائِها عَنْ الأُخْرَى مِنْ بَعْدِهَا ، فَافْهَمْ ذَلِكَ.
ولاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَولُهُ : (لِمَا تُوعَدُونَ) هو الفاعلُ ، لاِنَّ حرفَ الجرِّ لا يكونُ فاعلاً ، ولا يَحْسُنُ اعتقادُ زِيَادَةِ اللاَّمِ هُنَا ، حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : بَعُدَ ما تُوعَدُونَ ، لاَِ نَّهُ لَمْ تُؤلَّفْ زِيَادَةُ اللاَّمِ فِي نَحو هَذَا ، وإنَّمَا زِيدَتْ فِي المَوضِعِ الَّذي الغرض بزيادتِها فِيهِ تَمْكينُ مَعْنَى الإضَافةِ ، كَقَولِهِ :
يَا بُؤسَ لِلحَرْبِ الَّتي |
|
وضَعْتَ أراذِلَ فَاسْتَرَاحُوا (١) |
وكَقْولِهِ :
...... |
|
يَا بؤسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّاراً لاَِقْوَامِ (٢) |
وإذا لَمْ يَكُنْ لها بُدٌّ مِنَ الفاعلِ ولَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ بَعْدَهَا فَاعِلاً لَهَا فَفَيها ضميرُ فَاعل لاَ محالة ، وهو ما قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.
ومِمَّا نُوِّنَ وهو مَبنيّ عَلَى الضمِّ قَولُهُ :
__________________
(١) البيتُ لِسَعْد بن مالك بن ضبيعة البكري ، جد طَرَفَةَ بن العَبْد البكري والبيت من قصيدة لَهُ في الحربِ التي نشبت بين بكر وتَغلِب لمقتل كليب وقوله : وضعتْ أَراهِط أَيْ : حَطت قوماً بالقعود عنها وأسقطتهم عن مرتبة الشرف والضمير يعود على الحرب. الخصائص : ٣ / ١٠٦ والتمام : ١٢٠ وديوان الحماسة : ١ / ١٩٢ والمغني : ١ / ٢١٦.
(٢) تقدَّم الشاهد في : ص : ٣١٠.