يَقُلْ : إنَّكَ شجاعٌ ، وإنَّمَا قَالَ : أَنَا شَجَاعٌ ، فَلَمَّا أَرَدْتَ قَولَهُ حَاكِياً لَهُ أُوقَعتَ موقع (أَنَا) إنَّكَ.
وعِلَّةُ تحريفِ هَذَا الحرفِ الواحدِ مِنْ الجُمْلَةِ الَمحْكِيَّةِ أَنَّكَ مُخَاطِبٌ لَهُ فَقَلَبَ لَفْظُ الخِطَابِ الحاضِرُ اللفظ المنقضي لِقُوّةِ الحاضِرِ عَلَى الغَائِب.
هَذَا أَيْضاً مَعَ ارتفاعِ الشُّبهَةِ والإِشكالِ فِي أَنَّ الغَرَضَ بِهِمَا جَمِيعاً شيءٌ واحِدٌ. ونَحو مِنْ هَذَا بعضُ الانحرافِ عَنْ الَمحْكِي لِلدلالِةِ عَلَيهِ قَولُ الشَّاعِر :
تَنَـادَوا بالرَّحِـيـلِ غَـدَا |
|
وفِي تَرحَـالِــهِم نَفْسِي (١) |
أَجازَ لِي فيهِ أَبو عليّ بحلب سنة سبع وأربعينَ ثلاثَة أَضرب مِنَ الإعرابِ : بالرَّحِيلِ ، والرحيلَ ، والرحيلُ : رَفْعاً ، ونَصْباً ، وجَرًّا.
فَمَنْ رَفَعَ أَو نَصَبَ فَقَدَّرَ فِي الحِكَاية اللفظ المقولَ البتّةَ فَكَأ نَّهُم قالَوا : الرَّحيلَ غداً ، والرَّحيلُ غداً.
فَأَمَّا الجَرُّ فَعَلَى إعمالِ الباءِ فيه (٢) ، وهو معنى ما قالوهُ لكن حكيت منه قولك : غَداً وحْدَهُ ، وهْو خبرُ المبتدأ ، وفي موضعِ رفع لأَ نَّهُ خبرُ المبتدأ.
ولا يكونُ ظرفاً لِقَولِهِ : تَنَادَوا ، لاَِنَّ الفِعْلَ المَاضِي لاَ يَعْمَلُ فِي الزَّمانِ الآتي.
وإذَا قَالَ : تَنَادَوا بالرَّحيلِ غَداً فَنَصَبَ الرَّحِيلَ فَإنَّ (غداً) يجوزُ أَنْ يَكُونَ ظرفاً لِنَفْس الرَّحيلِ فَكَأَ نَّهُم قَالوا : أجمعنا الرَّحِيلَ غداً ، ويجوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفاً لِفِعْل نَصَبَ الرَّحيلَ آخرَ ، أَيْ : نُحْدِثُ الرَّحِيلَ غَداً.
__________________
(١) انظر : المقرب : ١ / ٢٩٣ والخزانة : ـ بولاق ـ ٤ / ٢٣.
(٢) قال ابنُ عصفور : لا يجوزُ أَنْ تُدخِلَ الجَرَّ على الجملةِ المَحكيَّةِ ، وعُدَّ هذا الشاهد ضرورة وأنّه قبيح. المقرب : ١ / ٢٩٣.