المَوضِع العُدَّ ، إنَّمَا العُدُّ البَثْرُ يَخرجُ فِي الوجهِ.
وطريقُهُ أَنْ يَكُونَ أَرادَ : ولَوْ أَرادُوا الخروجَ لأَعدوا لَهُ عُدَّتَهُ : أَيْ : تَأَهَّبُوا لَهُ ، إلاَّ أَنَّهُ حَذَف تاءَ التَّأنِيث وجَعَلَ هَاءَ الضميرِ كالعوضِ مِنْهَا. هَذَا عِندِي أَحْسَنُ مِمَّا ذَهَبَ إليهِ الفرّاءُ فِي مَعْنَاهُ ، وذَلِكَ أنَّهُ ذَهَبَ فِي قولِ اللهِ تَعَالى : (وإقامِ الصَّلاَةِ) (١) إلى أَنَّهُ أَرَادَ إقامةِ الصلاةِ ، إلاَّ أَنَّهُ حَذَفَ هاءَ الإقامةِ لاِِضافةِ الاسمِ إلى الصلاةِ (٢).
وإنَّمَا صار ما ذهبت إليه أقوى لاَِ نِّي أَقْمتُ الضَّمِيرَ المجرورَ مقامَ تاءِ التأْنيثِ ، والمُضْمرُ المجرورُ شديدُ الحاجةِ إلى ما جرَّهُ من موضعين :
أَحَدُهُمَا : حاجةُ الَمجْرور إلى مَا جَرّهُ ، أَلاَ تَرَاهُ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا ، وَلاَ يُقَدَّمُ الَمجْرُورَ عَلَى مَا جَرَّهُ؟
والآخر : أَنَّ الَمجْرُورَ فِي (عُدَّهُ) مُضْمَر ، والمُضْمَر الَمجْرُورُ أَضْعَفُ مِنَ المُظْهَرِ الَمجْرورِ لِلُطفِ الضميرِ عَنْ قِيامِهِ بِنَفْسِهِ ، ولَيْستْ الصَّلاةُ بِمُضْمَرة فتضعفُ ضَعْفَ هاءِ (عُدَّهُ) فَبِقَدرِ ضعف الشيءِ وحَاجِتِهِ إلى مَا قَبْلَهُ مَا (٣) يكادُ يَعْتَد جزءاً مِنْهُ ، فيخلف جزءاً محذوفاً مِنْ جملتِهِ (٤) ، فافْهَمْ ذَلِكَ.
وأَمَّا أَصْحَابُنَا فَعِنْدَهُم أَنَّ الإقَام مصدرُ أَقمتُ كالإِقامَةِ ، ولَيْسَ مَذْهَبُنا
__________________
(١) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٣٧ : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ).
(٢) انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٥٤.
(٣) ما : زائدة.
(٤) قال سيبويه : هذا بابُ ما لحقتْهُ هاءُ التأنيثِ عوضاً لِمَا ذهبَ وذلك قولك أقمتُهُ إقامَةً ، وإِنْ شِئتَ لم تعوِّضْ وتركتَ الحرفَ على الأَصلِ قالَ الله عزَّوجلَّ : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ). الكتاب : ٢ / ٢٤٤.