لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى |
|
وأَسْيَافُنَا يقطُرنَ مِنْ نَجْدَة دَمَا (١) |
قال له النابغة : لَقَدْ قَلَّلتَ جِفانَك وسيوفَك.
قال أَبو عليّ : هذا خبرٌ مجهولٌ لا أصلَ له ، لاَِنّ اللهَ تَعَالى يقول : (وهُمْ فِي الغَرَفَاتِ آمِنُونَ) (٢) وَلاَ يجوز أَنْ تَكونَ الغُرَفُ كُلُّهَا التي فِي الجنّةِ من الثلاثِ إلى العَشْرِ.
وعُذْرُ ذَلِك عِنْدِي أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ عَنْهُمْ وقُوعُ الواحدِ عَلَى مَعْنَى الجَمِيعِ جِنْساً كَقَولِنَا : أَهلَك الناسَ الدينارُ والدّرْهَمُ ، وذَهَبَ الناسُ بالشاةِ والبَعيرِ.
فَلّمَا كَثُرَ ذَلِك جاؤوا فِي مَوضِعهِ بِلَفْظِ الجمعِ الّذِي هُو أدْنَى إلى الواحدِ أَيْضَاً ، أعنِي الجمعَ بالواو والنُّونِ والألَفِ والتَّاءِ. نَعَمْ وعُلِمَ أَيْضاً أَنَّهُ إذَا جِيءَ فِي هَذَا المَوضِعِ بِلَفظِ جمعِ الكَثْرَةِ ـ لاَ يُتَدارَك مَعْنَى الجنسية ـ فلهوا عنه ، وأقامُوا على لفظِ الواحدِ ولفظ الجمع المقارب للواحِد تارةً أَخرى ، إراحةً لاَِنْفُسِهم مِن طَلَبِ ما لاَ يُدْرَكُ ويأساً مِنْهُ وتوقّفاً دونَهُ. فيكونُ هَذَا كَقَولِهِ :
رَأي الأمرَ يُفْضِي إلَى آخر |
|
فَصَيَّرَ آخَرهُ أَوْلاَ (٣) |
ومِثْلُ الجمعِ بالواو والنونِ والألِفِ والتَّاءِ مجيؤهُمُ فِي هَذَا المَوضِعِ
__________________
(١) البيت لحسّان بن ثابت. ونقد النَّابغة هذا ورد في عدد من المصادر ، ونسب بعضهم النقدَ إلى الخنساء. اُنظر : ديوان حسّان : ٣٧١ والكتاب : ٢ / ١٨١ والمقتضب : ٢ / ١٨٨ والكامل : ٢ / ١٩٢ والخصائص : ٢ / ٢١٦ وشرح المفصل : ٥ / ١٠ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٤٣٠ وشرح الأشموني : ٤ / ١٢١ وبلوغ الإِرب : ١ / ٢٥.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٣٧.
(٣) يروى (غايته) مكان (آخره). انظر : الخصائص : ١ / ٢٠٩ و ٢ / ٣١ و ١٧٠ وشرح المفصل : ٥ / ١٢١.