فَإنْ قُلْتَ : فَهَلاَّ كَانَتِ الأُولَى هِيَ الَمحْذُوفَة مَنْ تُضَارِرْ كَمَا حُذِفَتْ الأُولى مِنْ ظَلِلْتُ وَمَسِسْت وَأَحْسَسْتُ؟ قِيلَ : هذِهِ الأَحرفُ إنَّما حُذِفْنَ لاَِ نَّهُنَّ شُبِّهْنَ بحروفِ اللّين ، وحروفُ اللينِ تَصِحُّ بعدَ هَذِهِ الألفِ نَحْوَ عاوَدَ وَطَاوَلَ وَبايَعَ وَسايَرَ ، والثانيةُ في موضعِ اللاّمِ المحذوفةِ ، نحوَ لا تُرام.
فإن قِيلَ : فكانَ يجبُ على هذا (لا تُضارِ) لاَِنَّ الأولَى مكسورة في الأَصلِ فيجب ان تُقَرَّ عَلَى كَسْرِهَا.
قِيلَ : لاَ ، بَلْ لَمَّا حُذِفَتْ الثانيةِ وَقَدْ كَانَتْ الأُولَى ساكنةً لاَِ نَّهَا كانتْ مُدْغَمَةً في الثانيةِ أُقِرَّتْ على سُكُونِهَا ليكونَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ مُدَغَمةً قَبْلَ الحذفِ ، وِلِذَلِكَ نَظَائِر مِنْهَا قَوْلُهُ :
وَكَحَّـلَ العَيْنَـيـنِ بالعَـــوَاوِرِ (١)
... وَلِذَلِكَ نظائر كثيرةُ ، فَكَذَلِكَ تَرْكُ الرَّاءِ مِن (تضارْ) سَاكِنَةً كَمَا كَانَتْ تَكُونُ سَاكِنَةً لَوْ خرجتْ عَلَى الإدغَامِ المُرَاد فِيها. نَعَمْ ، وَإذَا كانَ نَافِعٌ قَدْ قَرَأَ : (وَمَحْيايْ وَمَمَاتِي) (٢) ساكنَ الياءِ مِنْ (مَحْيَايَ) ولا تقديرَ إدغام هُنَاكَ كَانَ سُكُونُ الرَّاءِ مِنْ لاَ تُضَارْ ـ وَهُوَ يُريدُ تُضَارَّ ـ أَجْدَرَ. وبعدَ هَذَا كلِّهِ ففيهِ ضعفٌ ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ لَوْ رَخَّمْتَ قاصّاً ـ اسمَ رجل ـ على قولِكَ يا حَارِ لقلتَ :
__________________
ينظر بمؤخّر العين. المقتضب : ١ / ٢٤٥ والخصائص : ٢ / ٤٣٨ والمنصف : ٣ / ٨٤ وأمالي الشجري : ١ / ٩٧ ومجمع البيان : ٦ / ١٤٠ وشرح المفصل : ١٠ / ١٥٤ واللسان : ٧ / ٣٤٩ و ١٨ / ١٩٣.
(١) الرَّجزُ لجندل بنِ المثنى الطَّهوي التَّميمي ونَسَبَهُ ابنُ جِنِّي في الخصائص للعجاج. الكتاب : ٢ / ٣٧٤ والمنصف : ٢ / ٤٩ والخصائص : ١ / ١٩٥ و ٣ / ١٦٤ و ٣٢٦.
(٢) من قوله تعالى من سورة الأَنعام : ٦ / ١٦٢ : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).