إذ مع وجوبها وجوب الاستنابة بعد الموت لا يفيد وجوبها قبله بطريق أولى ، لقيام الفارق ، وهو القطع بعدم وجوب الإعادة في الأصل ، وعدمه في الفرع ، لاحتمال زوال العذر فتجب ، كما هو الفرض.
وبالجملة : فاستفادة وجوب الاستنابة من الأولوية إنّما تتمّ على تقدير الحكم بعدم وجوب الإعادة بعد زوال العذر.
وهذا خلاف ما أطلقه الجماعة (١) بقوله : ( ولو زال العذر يحجّ ثانياً ) من غير خلاف صريح بينهم أجده ، بل قيل كاد أن يكون إجماعاً (٢) ، بل عن ظاهر التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا (٣) ؛ لإطلاق الأمر بالحجّ ، وما فعله كان واجباً في ماله ، وهذا يلزم في نفسه.
ونقل جماعة (٤) منهم احتمال العدم عن بعضهم ؛ لأنّه أدّى حجّة الإسلام بأمر الشارع ، ولا يجب الحجّ بأصل الشرع إلاّ مرّة واحدة ، وضعّفوه بما عرفته. ولم يفصّلوا في حكمهم ذلك بين صورتي الاستقرار وعدمه ، حتى من فصّل منهم بن الصورتين فيما سبق.
ويمكن أن يقال : إنّ مساق عبارة من لم يفصّل وهم الأكثرون هو الصورة الثانية ، فحكمهم بوجوب الإعادة يتعلق بها خاصة ، فلا بعد في قولهم بعدمها في الصورة الأُولى ، كما تقتضيه الأولوية المتقدمة ، ولا قادح
__________________
(١) منهم : الشيخ في النهاية ٢٠٣ ، والمبسوط ١ : ٢٩٩ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٩.
(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٩٩
(٣) التذكرة ١ : ٣٠٣.
(٤) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠٤ ، وصاحب المدارك ٧ : ٥٨ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٣٤.