إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) (١) وارادة المعصية والعزم عليها معصية بلا خلاف.
وقال قوم : العزم على الكبير كبير ، وعلى الكفر كفر ، ولا يجوز أن يكون الله ولي من عزم على الفرار عن نصرة نبيه عليهالسلام ، ويقوى ذلك قول كعب بن زهير :
فكم فيهم من سيد متوسع |
|
ومن فاعل للخيران هم أو عزم |
ففرق بين الهم والعزم ، وظاهر التفرقة يقتضي اختلاف المعنى ، ومنها المقاربة يقولون : هم بكذا وكذا ، أي : كاد يفعله ، قال ذو الرمة :
أفول لمسعود بجرعاء مالك |
|
وقد هم دمعي أن تلج (٢) أوائله |
والدمع لا يجوز عليه العزم ، وانما أراد كاد وقارب ، وعلى هذا قوله (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) (٣) أي : كاد.
ومنها الشهوة وميل الطباع ، يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه اليه : هذا من همي ، وهذا أهم الأشياء الي.
وروي هذا التأويل في الاية عن الحسن فقال : أما همها فكان أخبث الهم. وأما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء.
وإذا احتمل الهم هذه الوجوه ، نفينا عنه عليهالسلام العزم على القبيح ، وأجزنا باقي الوجوه لان كل واحد منها يليق بحاله.
ويمكن أن يحمل الهم في الاية على العزم ، ويكون المعنى : وهم بضربها ودفعها عن نفسه ، كما يقول القائل : كنت هممت بفلان ، أي : بأن أوقع به ضربا أو مكروها.
__________________
(١). سورة الانفال : ١٦.
(٢). في التبيان : تسيح.
(٣). سورة الكهف : ٧٨.