وروى عن الباقر عليهالسلام : أنّ الحرب في صفين كانت في أيام الشّعرى الطويلة شديدة الحرّ ، فتراموا حتّى فنيت النبال! ثمّ تطاعنوا حتّى تقصّفت رماحهم ، ثمّ نزلوا عن خيولهم وكسروا أجفان سيوفهم وتضاربوا بها وبعمد الحديد ، فلم يكن يسمع السامع إلّا تغمغم القوم وصليل الحديد على الهامات! وثار القتام وضلّت الألوية والرايات ، ومرّت مواقيت أربع صلوات لم يصلوا إلّا بالتكبير ، وكان أبو جعفر الباقر عليهالسلام يحدّث بهذا الحديث وهو يبكي (١)!
تشبّث الأشعث :
فقام الأشعث الكندي في كندة فقال لهم : يا معشر المسلمين ، قد رأيتم ما قد كان في يومكم هذا الماضي ، وما قد فنى فيه من العرب! فو الله لقد بلغت من السنّ ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط! ألا فليبلّغ الشاهد الغائب : أنا إن نحن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات! أما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحتف ، ولكنّي رجل مسنّ أخاف على الذراري غدا إذا فنينا! اللهمّ إنّك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آل ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، والرأي يخطئ ويصيب ... أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث ، فقال : أصاب وربّ الكعبة ، لئن نحن التقينا غدا ليميلنّ الروم على ذرارينا ونسائنا ، وليميلنّ أهل فارس على نساء العراق وذراريهم ، وإنّما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى.
فأشاع ذلك في أهل الشام ، فأخذوا يتنادون في سواد الليل : يا أهل العراق ، من لذرارينا إن قتلتمونا؟! ومن لذراريكم إن قتلناكم؟! الله الله في البقية (٢).
__________________
(١) وقعة صفين : ٤٧٩.
(٢) وقعة صفين : ٤٨٠ ـ ٤٨١.