وكان سعيد بن العاص الأموي والي عثمان على الكوفة قعد عن علي ومعاوية ولم يشترك في الطلب بدم عثمان ، ولذلك كان بسر يطلبه فلم يجده ، فأقام أيّاما وكان أهل مكة لمّا خرج منها قثم بن العباس قد تراضوا بشيبة بن عثمان العبدري صاحب مفاتيح الكعبة ، فأقرّه بسر على ذلك ، ثمّ خطبهم فقال لهم : إنّي قد صفحت عنكم! فإيّاكم والخلاف! فو الله لئن فعلتم لأقصدنّ منكم إلى التي تبير الأصل! وتحرب المال! وتخرّب الديار! ثمّ خرج نحو الطائف (١) فلمّا جاوز مكة رجع قثم بن العباس إلى مكة فغلب عليها (٢).
بسر في الطائف :
مرّ في الخبر أنّ المغيرة بن شعبة الثقفي كان في أوائل قوافل مكة إلى البصرة لحرب الجمل ، ولكنّه بدا له فعاد عنهم ، ولم يحضر مع معاوية في صفين وإنّما ذكر حضوره في تحكّم الحكمين في دومة الجندل ، ويبدو أنّه عاد من دومة الجندل إلى جنادل قومه في الطائف. حتّى بلغه أنّ بسرا توجّه نحوهم فأراد أن يسجّل اسمه مع المؤيّدين له فكتب إليه : أمّا بعد ، فقد بلغني مسيرك إلى الحجاز ونزولك مكة ، وشدّتك على المريب وعفوك عن المسيء ، وإكرامك لأولي النهى! فحمدت رأيك في ذلك! فدم على صالح ما أنت عليه ، فإنّ الله لن يزيد بالخير أهله إلّا خيرا ، جعلنا الله وإيّاك من الآمرين بالمعروف والقاصدين إلى الحقّ والذاكرين الله كثيرا!
وخرج بسر إلى الطائف فاستقبله المغيرة فقال له بسر : يا مغيرة! إنّي اريد أن استعرض قومك! أي للقتل! فقال المغيرة : أعيذك بالله من ذلك ، إنّه لم يزل يبلغنا منذ خرجت شدّتك على عدوّ أمير المؤمنين عثمان! فكنت بذلك محمود الرأي ،
__________________
(١) الغارات ٢ : ٦٠٨ ـ ٦٠٩ عن عوانة عن الكلبي.
(٢) الغارات ٢ : ٦٢١.