حين قام قائم الظهيرة فسمعته قال : لا حول ولا قوة إلّا بالله والله المستعان (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ)(١) وجرّد سيفه وحمل على أهل الشام بنفسه ، فيومئذ قتل أعلام العرب (٢).
وروى بسنده عن عمار بن ربيعة قال : زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل حتّى التقوا فتطاعنوا بالرماح حتّى تكسرت ، ثمّ بعمد الحديد حتّى اندقّت ، ثمّ بالسيوف فلا يسمع السامع إلّا وقع الحديد بعضه على بعض أشد هولا من الصواعق ، ومن جبال تهامة يدكّ بعضها بعضا! وثار القتام حتّى انكسفت الشمس ، وضلّت الألوية والرايات ، أو تجادلوا بعمد الحديد والسيوف من (بعد) صلاة الفجر إلى (جوف) الليل لم يصلّوا أيّ صلاة لله (بغير التكبير) ولم يزالوا كذلك حتّى أصبحوا ، والأشتر في ميمنة الناس ، وابن عباس في الميسرة ، وعلي عليهالسلام في القلب. تلك هي ليلة الهرير ، واستمر القتال من الليل إلى ارتفاع (الشمس) (٣).
مقتل المرقال ليلا :
وعند المساء من يوم الخميس دعا هاشم بن عتبة الزهري المرقال الرجال فأقبل عليه ناس فقال لهم :
«لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم! فو الله ما ترون منهم إلّا حميّة العرب وصبرها في مراكزها وتحت راياتها ، وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحقّ.
__________________
(١) الأعراف : ٨٩.
(٢) وقعة صفين : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، وفيه : فو الله ما حجز بيننا إلّا الله في قريب من ثلث الليل. أي ليلة الجمعة العاشر من صفر القتال ، وهي الليلة المعروفة بليلة الهرير ، وقد استمر القتال فيها إلى صباح الغد حيث رفعت المصاحف.
(٣) وقعة صفين : ٤٧٥.