فقال له سعيد بن قيس : يا أمير المؤمنين ، أشير عليك بالناصح الأريب ، الشجاع الصليب : معقل بن قيس التميمي. فقال عليهالسلام : نعم ، ثمّ أرسل عليه يدعوه إليه ليوجّهه (١).
خطاب وعتاب آخر :
روى الثقفي عن جندب بن عبد الله الأزدي قال : إنّ عليّا عليهالسلام استنفر الناس أيّاما فلم ينفروا ، فقام فيهم فقال : أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّي قد استنفرتكم فلم تنفروا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، فأنتم شهود كغيّاب ، وصمّ ذوو أسماع ، أتلو عليكم الحكمة ، وأعظكم بالموعظة الحسنة ، وأحثّكم على جهاد عدوّكم الباغين ، فماء آتي على آخر منطقي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبا ، فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين ، تضربون الأمثال ، وتتناشدون الأشعار ، وتسألون عن الأخبار ، قد نسيتم الاستعداد للحرب ، وشغلتم قلوبكم بالأباطيل! تربت أيديكم! اغزوا القوم قبل أن يغزوكم ، فو الله ما غزي قوم قطّ في عقر ديارهم إلّا ذلّوا! وايم الله ما أراكم تفعلون حتّى يفعلوا ، ولوددت أنّي لقيتهم على نيّتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم! فما أنتم إلّا كإبل جمة ضلّ راعيها! كلما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر. والله لكأنّي بكم لو قد حمس الوغى وأحمّ البأس قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس ، وانفراج المرأة عن قبلها!
فقام الأشعث بن قيس وقال له : يا أمير المؤمنين ، فهلّا تفعل كما فعل ابن عفّان؟!
فقال له الإمام عليهالسلام : يا عرف النار! ويلك! إنّ الذي فعله ابن عفّان (بالقعود في الدار حتّى يغزى) لمخزاة على من لا دين له ولا حجّة معه! فكيف وأنا على بيّنة
__________________
(١) الغارات ٢ : ٤٧٠ ـ ٤٨٢ بأسناده ، وعنه في أمالي الطوسي : ١٧٣ الحديث ٢٩٣ م ٦.