ويشنّ الغارة عليكم؟! أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الظلمة الطّغام فيتّبعونه على غير عطاء ولا معونة ، ويجيبونه في السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أيّ وجه شاء ، ثمّ إنّي أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقيّة الناس ، على المعونة والعطاء ، فتختلفون وتتفرّقون عنّي ، وتعصونني وتخالفون عليّ!
فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي الهمداني والتفت إلى الناس وقال لهم : اتقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته ، وقاتلوا عدوّكم ، ثمّ التفت إليه وقال : أنا أسير إليهم يا أمير المؤمنين ، فاندب الناس معي فإنّه لا عطر بعد عروس ، لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسي ، وإنّ الأجر لا يأتي إلّا بالكره.
فأمر الإمام عليهالسلام سعدا مولاه أن ينادي : ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر. وعسكر مالك بن كعب بظهر الكوفة ، وكره الناس هذا الوجه فلم يجتمع إليه في شهر إلّا نحو من ألفي رجل فقط.
وجاءهم الإمام عليهالسلام فقال لهم : سيروا على اسم الله ، فو الله ما أخالكم تدركون القوم حتّى ينقضي أمرهم! فسار بهم مالك خمس ليال (١) فإذا قدّرنا لوصول صريخة ابن أبي بكر عشرة أيّام ، ومرّ أن فترة انتظار تجمّع الأنصار كانت شهرا وهذه خمسة أيّام فيكون المجموع ٤٥ يوما.
مقتل محمد وسقوط مصر :
ففي هذه الفترة ٤٥ يوما وبعد قتل وفلّ رجال كنانة الكندي ، اضطرّ محمد للخروج بنحو ألفين ممّن اجتمع له ، ولكنّهم تفرّقوا عنه وتركوه وحده ، حتّى لجأ إلى
__________________
(١) الغارات ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٤ ، وذكر صدرها في أنساب الأشراف ٢ : ٣٠٦ خ ٤٨٦ ط ٢. وفي تاريخ الطبري ٥ : ١٠٧ ـ ١٠٨ عن أبي مخنف بسنده. وفي نهج البلاغة خ ٣٩ ومصادرها في ١٣٨٠.