متى تقدر من عدوك على مثل حالهم التي هم عليها ، وأن تسير إلى عدوّك أعزّ لك من أن يسيروا إليك ، واعلم أنّه والله لو لا تفرّق الناس عن صاحبك (علي) لكان قد نهض إليك!
فقال لنا : إنّ هؤلاء الذين تذكرون اختلاف أهوائهم وتفرّقهم على صاحبهم (علي) لم يبلغ بهم ذلك عندي إلى أن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري عليّ تكون الدائرة أم لي ، وأن أطمع في استئصالهم واجتياحهم. فإيّاكم واستبطائي! فإنّي آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم وأبلغ في هلاكهم ، فقد شننت عليهم «الغارات» في كلّ جانب : فخيلي مرّة بالجزيرة ومرّة بالحجاز ، وقد فتح الله لنا مصر ، فأعزّ بفتحها وليّنا وأذلّ به عدوّنا! فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا يأتوننا على قلائصهم في كلّ يوم ، وهذا ممّا يزيدكم الله به وينقصهم! ويقوّيكم ويضعّفهم ، ويعزّكم ويذلّهم! فاصبروا ولا تعجلوا ، فإنّي لو رأيت فرصتي لاهتبلتها (١)!
تحرّك العثمانيين باليمن :
ودفع معاوية إلى أن يسرّح بسرا إلى الحجاز واليمن : أنّ قوما في صنعاء اليمن كانوا من شيعة عثمان وقد أعظموا قتله ... فلمّا قتل محمد بن أبي بكر وغلب معاوية على مصر ، وكثرت غاراته ، أخذوا يدعون إلى الطلب بدم عثمان! هذا وعامل علي عليهالسلام يومئذ على صنعاء : عبيد الله بن العباس ، وعامله على الجند : سعيد بن نمران الهمداني ، فلمّا بلغت مقالتهم إلى عبيد الله أرسل إلى ناس من وجوههم فقال لهم : ما هذا الذي بلغني عنكم؟! قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه! فحبسهم. لكنّهم كتبوا إلى أصحابهم بالجند وخرج إليهم من كان منهم
__________________
(١) الغارات ٢ : ٥٩٩ ـ ٦٠٠.