وحجّ معاوية لسنة (٤٤ ه):
فقدم المدينة ، فكان من استقبله من قريش أكثر من الأنصار ، وكان فيهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وكان سيّدهم فسأله معاوية : يا معشر الأنصار! ما لكم لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش؟ فقال قيس : أقعدنا ـ يا أمير المؤمنين! ـ أن لم تكن لنا دوابّ. فقال معاوية : فأين النواضح (نواقل الماء) يعيّرهم بها! فقال قيس : يا معاوية! تعيّرنا بنواضحنا! والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا ، ثمّ دخلت أنت وأبوك في الإسلام كرها حين ضربناكم عليه! أما إن رسول الله قال : «إنكم سترون بعدي أثرة» فقال معاوية : فما أمركم؟ قال : أمرنا أن نصبر حتّى نلقاه! فقال : فاصبروا حتّى تلقوه! ثمّ قال له : كأنك تمنّ علينا بنصرتك إيانا! والله لقريش بذلك المنّ والطّول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا!
فقال له قيس : إن الله عزوجل بعث محمّدا رحمة للعالمين ، فبعثه إلى الناس كافة إلى الجن والإنس والأسود والأبيض والأحمر ، واختاره لنبوّته واختصّه برسالته ، فكان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه علي بن أبي طالب ، وكان أبو طالب عمه يذبّ عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروّعوه أو يؤذوه ، ويأمره بتبليغ رسالات ربّه ، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتّى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه عليّا بمؤازرته ونصرته ، فوازره عليّ ونصره وجعل نفسه دونه في كلّ شديدة وكلّ ضيق وكلّ خوف ، واختصّ الله بذلك عليّا من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم ... فلم يدع قيس شيئا من مناقبه إلّا ذكره واحتجّ به قال : ومن أهل هذا البيت حمزة سيد الشهداء ، وجعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين اختصّه الله بذلك من بين الناس ، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين ، فإذا وضعت من قريش رسول الله و «أهل بيته» وعترته الطيبين فنحن والله خير