من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر ، سلام عليك ، أمّا بعد : فقد بلغني موجدتك من تسريحي الأشتر إلى عملك ، ولم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهاد ، ولا استزادة لك منّي في الجدّ ، ولو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر مئونة عليك ، وأعجب ولاية إليك ، إلّا أنّ الرجل الذي كنت ولّيته مصر (الأشتر) كان رجلا لنا مناصحا وعلى عدوّنا شديدا! فرحمة الله عليه ، وقد استكمل أيّامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون ، فرضي الله عنه وضاعف له الثواب وأحسن له المآب.
فاصحر لعدوّك وشمّر للحرب و (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(١) وأكثر ذكر الله والاستعانة به والخوف منه ، يكفك ما أهمّك ويعينك على ما ولّاك ، أعاننا الله وإياك على ما لا ينال إلّا برحمته ، والسلام.
فكتب إليه محمد بن أبي بكر جوابا : لعبد الله أمير المؤمنين علي من محمد بن أبي بكر ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد ، فقد انتهى إليّ كتاب أمير المؤمنين ، وفهمته وعرفت ما فيه ، وليس أحد من الناس أشدّ على عدوّ أمير المؤمنين ، ولا أرأف لوليّه منّي ، وقد خرجت فعسكرت وأمّنت الناس إلّا من نصب لنا حربا وأظهر لنا خلافا. وأنا متّبع أمر أمير المؤمنين وحافظه ، ولاجئ إليه وقائم به ، والله المستعان على كل حال ، والسلام (٢).
وتوجّه ابن العاص إلى مصر :
مرّ الخبر : أنّ معاوية جهّز لابن العاص لاغتصاب مصر ستّة آلاف رجل ألفين من دمشق وألفين من الأردن وألفين من فلسطين ، وشعر بالخطر
__________________
(١) النحل : ١٢٥.
(٢) الغارات ١ : ٢٦٨ ـ ٢٧٠ ، وتاريخ الطبري ٥ : ٩٦ ـ ٩٧ عن أبي مخنف.