فرّ الميمنة وكرّها :
كان موقف الإمام عليهالسلام مع أهل اليمن في قلب العسكر ، وكانت الميمنة متصلة إلى موقفه عليهالسلام ، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي ، فانصرف علي يمشي إلى الميسرة يمرّ ومعه بنوه ، والنبال تمر بين عاتقه ومنكبيه ، وبنوه يقونه بأنفسهم فيتقدم عليهم ويحول بينه وبين أهل الشام أو يأخذ بيده فيلقيه بين يديه أو ورائه ، وكان معه مولاه كيسان (فارسي).
ورآه أحمر من موالي بني أمية : عثمان أو أبي سفيان ، فأقبل نحوه ويقول : هذا عليّ وربّ الكعبة ، قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني! فخرج إليه كيسان فقتله المولى الشامي وتوجّه بسيفه إلى الإمام عليهالسلام فمدّ علي يده على جيب درعه فجذبه وحمله على عاتقه ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضده ، وعطف عليه ابناه الحسين ومحمد فضرباه بسيفهما فقتلاه ، وبقي الحسن قائما مع أبيه وقال له : ما ضرّك لو سعيت حتّى تنتهي إلى هؤلاء من أصحابك الذين صبروا لعدوّك؟ يعني ربيعة الميسرة.
فقال عليهالسلام : يا بني ، إنّ لأبيك يوما لن يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي ولا يعجّل به إليه المشي ، إنّ أباك والله لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.
وقال عليهالسلام : إنه ليس من أحد إلّا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردّى في قليب ، أو يخرّ عليه حائط ، أو تصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه.
ثمّ أقبل علي عليهالسلام يركض نحو ميسرته حتى مرّ بالأشتر فناداه : يا مالك! قال : لبّيك يا أمير المؤمنين. قال : ائت هؤلاء القوم وقل لهم : أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم؟!
فمضى الأشتر حتى استقبل الناس منهزمين فناداهم : أيها الناس إليّ أنا الأشتر. فذهب بعضهم وأقبلت عليه طائفة منهم ... ثمّ قال لهم : أخلصوا لي مذحجا ، فاجتمع إليه قومه مذحج فناداهم : عضضتم بصمّ الجندل! والله ما أرضيتم اليوم ربّكم