ودرع الإمام ثانية :
مرّ الخبر عن الغلول بدرع طلحة بعد الجمل ، على يد عبد الله بن القفل التميمي ، ورجوعها إلى الإمام. ولما انطلق الإمام بجيشه من الكوفة أو النخيلة إلى صفّين وكان على بعير أسمر إذ خرّت درع له فرفعها نصرانيّ هناك ، ورآها الإمام عليهالسلام بيده فطالبه بها فأبى عليه ، فخاصمه إلى القاضي شريح بن هانئ ، فلما نظر شريح إلى الإمام قام ليتنحّى عن مجلسه فقال له : مكانك ، وجلس إلى جنبه وقال : أما لو كان خصمي مسلما ما جلست إلّا معه ، ولكنّه نصراني ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إذ كنتم وإيّاهم في طريق فألجئوهم إلى مضايقه وصغّروا بهم كما صغّر الله بهم ، في غير أن تظلموا» ثمّ قال علي عليهالسلام لشريح : إن هذه درعي لم أبع ولم أهب. فقال شريح للنصراني : ما يقول أمير المؤمنين؟ قال النصراني : ما الدرع إلّا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب!
فالتفت شريح إلى علي عليهالسلام وقال : يا أمير المؤمنين ، هل من بيّنة؟ قال : لا ـ فلعلّ هذه الدرع غير السابقة. فقضى القاضي بها للنصراني ، فقام بها ومشى قليلا ثمّ عاد فقال : أما أنا فأشهد أنّ هذه أحكام النبيين ، أمير المؤمنين يمشي بي إلى قاضيه ، وقاضيه يقضى عليه! فأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله. يا أمير المؤمنين ، الدرع والله درعك خرّت من بعيرك في طريقك إلى صفّين.
فقال له الإمام : أما إذا أسلمت فهي لك! ووهبه فرسا! خرج عليه معه لقتال النهروان (١).
وكان آخر من ودّع أبا موسى : الأحنف التميمي أخذ بيده وقال له : يا أبا موسى ، اعرف خطر هذا الأمر واعلم أنّ له ما بعده ، وأنك إن أضعت العراق
__________________
(١) الغارات ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥.