وخطبة اخرى له عليهالسلام :
كان ذلك أوّل كلام للإمام عليهالسلام على نصّ خبر الثقفي وغيره.
وقال اليعقوبي : لما قدم عليّ الكوفة قام خطيبا ، فبعد حمد الله والثناء عليه والتذكير لنعمه والصلاة على محمد ، وذكره بما فضّله الله به قال : أمّا بعد ، أيّها الناس ، فأنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري ، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ولا القاسطون ولا المارقون.
ثمّ قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّي عمّا قليل مقتول ، فما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم أعلاها ، فوالذي فلق البحر (والحبّة) وبرأ النسمة لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فتنة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلّا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها إلى يوم القيامة.
إنّ القرآن لا يعلم علمه إلّا من ذاق طعمه ، وعلم بالعلم جهله ، وأبصر عمله ، واستمع صممه وأدرك به مأواه ، وحيي به إن مات ، فأدرك به الرضا من الله.
فاطلبوا ذلك عند أهله فإنّهم في بيت الحياة ومستقرّ القرآن ومنزل الملائكة ، وأهل العلم الذين يخبركم عملهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، هم الذين لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه ، قد مضى فيه من الله حكم صادق وفي (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)(١).
أمّا إنّكم ستلقون بعدي ذلّا شاملا ، وسيفا قاتلا ، وأثرة قبيحة ، يتّخذها الظالمون عليكم سنّة تفرّق جموعكم ، وتبكّي عيونكم ، وتدخل الفقر في بيوتكم ، وستذكرون عن قليل ما أقول لكم ، ولا يبعد الله إلّا من ظلم (٢)!
__________________
(١) هود : ١١٤.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩٣.