رأيا! وأعلمهم بالسنّة والسياسة! ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين! أن يعقد لك البيعة! فقال يزيد : أو ترى يتمّ ذلك؟ قال : نعم! فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة.
فأحضر معاوية المغيرة وسأله : ما يقول يزيد؟ قال : يا أمير المؤمنين! قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان! وفي يزيد منك خلف! فاعقد له ، فإن حدث بك حادث كان للناس كهفا ومنك خلفا ، ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة!
فقال معاوية : ومن لي بهذا؟ قال : أنا أكفيك أهل الكوفة ، وزياد يكفيك أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك! قال : فارجع إلى عملك وتحدّث مع من تثق إليه في ذلك ، وترى ونرى. فودّعه وعاد إلى أصحابه فقال لهم : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمّة محمّد (كذا) وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا (١)!
المغيرة يكفّر معاوية :
قضي مرام المغيرة من سفرته هذه ، وحيث تزلّف فيها إلى معاوية ، وتحدّث معه عن كبر سنّه ورغّبه في تولية عهده ليزيد ، كأنّه طمع فيه أن يبسط عدلا ويظهر خيرا ، ويصل أرحام بني هاشم ، وكان يذهب إليه في الليالي يتحدّث معه ، فخلا به ليلة فقال له :
يا أمير المؤمنين! إنك قد بلغت سنّا وقد كبرت ، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا ، ونظرت إلى إخوتك من بني هاشم! فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه!
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ٣ : ٢١٤ ، وانظر الغدير ١٠ : ٢٢٩.