حديث معاوية إلى عمرو :
فلما دخل عليه قال له معاوية : يا أبا عبد الله ، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرّق الجماعة وقطع الرحم!
قال عمرو : من؟ قال : علي!
فقال له عمرو : يا معاوية! والله ما أنت وعليّ بعكمي بعير (عدلين) ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه ... والله إنّ له مع ذلك حدّا وجدّا (جديّة) وحظّا وحظوة ، وبلاء حسنا من الله! فإن شايعتك على حربه ـ وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر ـ فما تجعل لي؟ قال : حكمك! قال : مصر طعمة! فتلكّأ معاوية ثمّ قال له : يا أبا عبد الله : إني أكره أن يتحدّث العرب عنك! أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا! فقال عمرو : دعني عنك (١).
فقال له معاوية : أما إني لو شئت أن امنّيك وأخدعك لفعلت!
فقال عمرو : أنا أكيس من ذلك وما مثلي من يخدع!
قال معاوية : ادن منّي برأسك أسارّك! ولم يكن في البيت غيرهما! ومع ذلك أدنى عمرو برأسه إلى معاوية ليسارّه ، فعضّ معاوية على اذن عمرو ثمّ قال : هذه خدعة! هل ترى في بيتك أحدا غيري وغيرك؟!
ثم قال له : يا أبا عبد الله! ألم تعلم أن مصر مثل العراق! قال : بلى ، ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك ، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق!
__________________
(١) وقعة صفين : ٣٧ ، ٣٨ ، ونقله عنه المعتزلي الشافعي في شرح نهج البلاغة ٢ : ٦٥ ثمّ علّق عليه عن شيخه البلخي قال : قوله له : دعني عنك! كناية عن الإلحاد بل تصريح به ، فإنه يعني : دع هذا الكلام الذي لا أصل له! فإن اعتقاد الآخرة وأنها لا تباع بعرض الدنيا خرافة! وكان مثله معاوية وتلاعبا بالإسلام! ثمّ نقل قريبا منه عن الجاحظ البصري : ٦٦.