في رافضة أهل البصرة ، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي ، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني ، فأقبل اذاكرك أمرا.
وكان مع عمرو ابناه محمد وعبد الله ، فلما قرئ الكتاب عليه استشار ابنيه.
فقال عبد الله : أرى أنك لست مجعولا خليفة ، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة! أوشك أن تهلك فتشقى فيها!
وقال محمد : أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل الذكر تصاغر أمرك ، فالحق بجماعة أهل الشام واطلب بدم عثمان فكن يدا من أياديها.
فقال عمرو : أما أنت يا عبد الله فقد أمرتني بما هو خير لي في ديني! وأنت يا محمد فقد أمرتني بما هو خير لي في دنياي ، وأنا ناظر فيه!
واستمر نظره في أمره ، وانتشر عنه مسيره ، وأمر غلامه وردان أن يهيّئ رحله ، ثم أمره أن يحطّ ، ثمّ أمره أن يعدّ الرحل ، ثمّ أمره أن يحطّ ، فقال له وردان : أما إن شئت أنبأتك بما في نفسك. قال : هات ويحك! قال : اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت : علي مع الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض عن الدنيا ، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة! وليس في الدنيا عوض من الآخرة! فأنت واقف بينهما.
قال عمرو : ما أخطأت فما ترى؟ قال : أرى أن تقيم في بيتك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم! وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك! قال : الآن وقد شهدت العرب مسيري إلى معاوية! وارتحل.
وسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه (١).
__________________
(١) وقعة صفّين : ٣٥ ، ٣٦.