تعلم أنه شرّ لك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة! فإنه ليس لك من الآخرة إلّا ما طاب ، واعلم أنه لا حجّة لك عند الله إن قدّمت يزيد على «الحسن والحسين» وأنت تعلم من هما! وإلى ما هما! وإنما علينا أن نقول : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(١).
ثمّ أعرض معاوية عن ذكر البيعة ليزيد حتّى :
قدم المدينة سنة خمسين :
ولما استقر في منزله أرسل إلى العبادلة الأربعة : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، فلما اجتمعوا منع من أن يدخل عليه أحد! ثمّ تكلم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أما بعد ، فقد كبر سنّي ووهن عظمي وقرب أجلي ، وأوشكت أن ادعى فاجيب ، وقد رأيت أن أستخلف عليكم بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا ، وأنتم عبادلة قريش وخيارها وأبناء خيارها! ولم يمنعني أن احضر «حسنا وحسينا» إلّا أنهما أولاد أبيهما عليّ! على حسن رأيي فيهما وشديد محبّتي لهما! فردّوا على أمير المؤمنين! خيرا رحمكم الله!
فقام عبد الله بن عباس فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه وآله ثمّ قال : أما بعد ، فإنك قد تكلّمت فانصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإن الله ـ جل ثناؤه وتقدست أسماؤه ـ اختار محمّدا صلىاللهعليهوآله لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس من تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأمة التسليم لنبيّها إذ اختاره الله لها ، فإنه إنما اختار محمّدا بعلمه وهو العليم الخبير ، وأستغفر الله لي ولكم.
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٠ ـ ١٧١ ، والآية من البقرة : ٢٨٦.