فقال له معاوية يسالمه ويستلينه : أنت نظير! أمير المؤمنين! وعدّته في كلّ شديدة وعضده «والثاني بعد وليّ عهده» فجعله وليّ عهد يزيد وردّه إلى المدينة عزله عنها وولّاها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (١).
كان هذا اختصار المسعودي لهذه الأخبار ، واختزل في تلخيصه خطبة الأحنف الثانية ردّا على الفهري.
وذكرها الدينوري قال : فقام الأحنف بن قيس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لمعاوية :
يا أمير المؤمنين! إنا قد فرزنا عنك قريشا فوجدناك أكرمها زندا وأشدها عقدا وأوفاها عهدا! وقد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة ولم تظهر عليها قعصا! ولكنّك أعطيت «الحسن بن عليّ» من عهود الله ما قد علمت : ليكون له الأمر من بعدك ، فإن تف فأنت أهل الوفاء! وإن تغدر تعلم ـ والله ـ إنّ وراء الحسن عليهالسلام خيولا جيادا وأذرعا شدادا وسيوفا حدادا! إن تدن له شبرا من غدر تجد وراءه باعا من نصر! وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك! ولا أبغضوا عليّا وحسنا منذ أحبّوهما! وما نزل عليهم في ذلك خبر من السماء! وإن السيوف التي شهروها عليك مع عليّ يوم صفين لعلى عواتقهم ، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم! وايم الله إن «الحسن» لأحبّ إلى أهل العراق من «عليّ» (٢).
ثمّ خطب عبد الرحمن الثقفي في ردّ الأحنف التميمي ، ثمّ خطب معاوية فعوى وأنذر وأوعد وهدّد ، فهنا قام الأزدي الشامي وهدّد بسيفه!
فقام الأحنف أخيرا وقال لمعاوية : يا أمير المؤمنين! أنت أعلم بليل يزيد ونهاره وبسرّه وعلانيته ، فإن كنت تعلم أنه خير لك فولّه واستخلفه! وإن كنت
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٢٨ وفي غيره : ولّاها سعيد بن العاص الأشدق.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٠.