وصاياه بلفظه عليهالسلام :
وكأنّ الحاضرين حول الإمام عليهالسلام لما سمعوا مقال الطبيب قالوا له : يا أمير المؤمنين ، أوص. فقال عليهالسلام : اثنوا لي وسادة ، فأثنوا له وسادته وأسندوه إليها فقال :
الحمد لله حقّ قدره متّبعين أمره ، وأحمده كما أحبّ ، ولا إله إلّا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب.
وكأنّه عليهالسلام أراد دفع دخل مقدّر عندهم بأنّه لم لم يهرب من العطب فقال عليهالسلام :
أيها الناس ، كل امرئ في فراره يلقى ما يفرّ منه ، ومساق النفس إلى أجلها ، والهرب منه موافاته. كم اطّردت الأيام ابحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عزّ ذكره إلّا إخفاءه! هيهات! علم مكنون (١).
أما وصيّتي : فأن لا تشركوا بالله جلّ ثناؤه شيئا ، ومحمدا صلىاللهعليهوآله فلا تضيّعوا سنّته. أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين ، وخلاكم ذمّ ما لم تشردوا ، حمّل كلّ امرئ مجهوده ، وخفّف عن الجهلة ربّ رحيم ودين قويم.
أنا بالأمس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم ، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذلك المراد (٢) وإن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان وذرى رياح وبظلّ غمامة ، اضمحلّ في الجوّ متلفّقها (متراكمها) وعفا في الأرض مخطّها! وإنّما كنت جارا لكم ، جاوركم بدني أياما ، وستعقبون منّي جثة خلاء ساكنة بعد تحركها ، وكاظمة بعد نطقها ، ليعظكم هدوّي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي ، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ.
__________________
(١) وهذا يؤيد ما قاله المفيد من قصور الأدلة عن كون علمه بأجله تفصيليا لا إجماليا. كقوله له : «وأنت تصلي لربك في هذا الشهر» ولم يذكر اليوم والعام.
(٢) كناية عن البراءة من الجراحة وحصول السلامة ، فلعلّه لم ييأس بقول الطبيب ، أو كان قبله.