ممّا هو أكثر منها. فقال بعضهم : والله لو جئتنا بدماغه في صرّة لعلمنا أنّه لا يموت حتّى يسوق العرب بعصاه! فتركتهم ودخلت المدائن (١)! فلما انتهيت إلى الحسين عليهالسلام قال لي : أي زحر! ما لي أرى وجهك متغيرا!
فقلت له : تركت أمير المؤمنين في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة ، وهذا كتاب الحسن إليك. وذكرت له مصاب علي عليهالسلام فقال : ويحك ومن قتله؟ قلت : رجل فاسق مارق من مراد يقال له : عبد الرحمن بن ملجم.
فقال : الله أكبر ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، ما أعظمك من مصيبة! مع أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليتذكر مصابه بي فإنّه لن يصاب بمثلها أبدا» وصدق رسول الله صلىاللهعليهوآله فما أصبت بعد رسول الله بمثلها ولن أصاب بمثلها في بقيّة عمري! ثمّ قال : إن البلاء إلينا أهل البيت سريع ، والله المستعان.
فقلت له : إن هاهنا من لا يرى أنّه يموت حتّى يظهر (ويظفر) وأنا أخافهم عليك ، فاجمعهم إليّ حتّى أقرأ كتاب الحسن عليهم (فأمر) فنودي في الناس بالاجتماع فاجتمعوا ، وحضر حسين عليهالسلام ، فقمت وقرأت الكتاب على الناس ، فضجّ من حضر بالاسترجاع والبكاء ، والاستغفار لعلي ، والتعزية للحسين. ثمّ انصرف راجعا إلى الكوفة بمن كان معه (٢) فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، كما في خبر نوف البكالي (٣).
__________________
(١) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٩١ ، الحديث ٨٤ ، ومختصره في أنساب الأشراف ٢ : ٤٠٣ ، الحديث ٥٨٣ ، ونقل قبله عن ابن الأصم قال : قيل للحسن عليهالسلام بعد ذلك : أن ناسا من «شيعة» أبي الحسن زعموا أنّه مات ولكنه سيبعث قبل يوم القيامة ، وتأوّلوا عليه قوله : «أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم» فقال : كذبوا ، ليس أولئك من «شيعته» ولكنهم أعداؤه ، ولو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه! وهذا الجواب لا يناسب قولهم بموته ثمّ رجعته!
(٢) المصدر السابق : ٩٦ ـ ٩٧ ، الحديث ٩١.
(٣) نهج البلاغة الخطبة ١٨١.