ثمّ إنّ عليّا عليهالسلام أرسل إلى الناس أن احملوا ، فحمل الناس على راياتهم كل منهم يحمل على من بإزائه ، فتجالدوا بعمد الحديد ثمّ السيوف ، لا يسمع إلّا صوت ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين ، وحتّى مرّت الصلوات (المغرب والعشاء) ولم يصلّوا إلّا تكبيرا (١).
إلى فسطاط معاوية وعمرو :
وكان علي عليهالسلام قد ركب فرس النبيّ : المرتجز ، ثمّ قال : البغلة البغلة ، يعني بغلة النبيّ : الشهباء فقدّمت له ، فتعمّم بعمامة رسول الله السوداء ، وركب البغلة ثمّ نادى :
أيها الناس ، من يشر نفسه لله يربح ، هذا يوم له ما بعده ، إن عدوّكم قد مسّه القرح كما مسّكم.
فانتدب له عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا واضعين سيوفهم على عواتقهم فتقدم بهم عليهالسلام (٢).
وحمل الناس حملة واحدة ، فلم يبق لأهل الشام صفّ إلّا انتقض ، وأهمدوا ما أتوا عليه حتّى أفضى الأمر إلى فسطاط معاوية ، وعليّ يضربهم بسيفه ويقول :
أضربهم ولا أرى معاوية |
|
الأخزر العين العظيم الحاويه |
هوت به في النار أمّ هاويه |
فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه ... ثمّ التفت إلى ابن العاص وقال له : يا ابن العاص ، اليوم صبر وغدا فخر! فقال عمرو : صدقت. فثنى معاوية رجله من الركاب ونزل واستصرخ بعكّ والأشعريين ، فأغاثوه ووقفوا دونه وجالدوا عنه وقال لهم معاوية : هذا يوم تمحيص! إنّ القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم ، اصبروا يومكم هذا (ليلتكم هذه) وخلاكم ذمّ.
__________________
(١) وقعة صفين : ٣٩٣.
(٢) وقعة صفين : ٤٠٣.