احتجاجه عليهالسلام قبل الالتحام :
ولما استوى الصفّان في النهروان تقدم الإمام عليهالسلام إليهم وخطبهم فقال : أما بعد ، أيتها العصابة التي أخرجتها عادة المراء والضلالة ، وصدف بها عن الحقّ الهوى والزيغ ، إنّي نذير لكم أن تصبحوا غدا صرعى بأكناف هذا النهر ... بلا بيّنة من ربكم ولا سلطان (برهان) مبين. ألم أنهكم عن هذه الحكومة واحذّركموها ، وأعلمكم أنّ طلب القوم لها دهن منهم ومكيدة؟ فخالفتم أمري وجانبتم الحزم وعصيتموني حتّى أقررت بأن حكّمت ، وأخذت على الحكمين فاستوثقت ، وأمرتهما أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن ، فخالفا أمري وعملا بالهوى. فنحن على الأمر الأوّل ، فأين تذهبون وأين يتاه بكم؟!
فقال قائلهم : أمّا بعد ـ يا علي ـ فإنّا حين حكّمنا كان ذلك كفرا منّا! فإن تبت كما تبنا فنحن معك ومنك ، وإن أبيت فنحن منابذوك على سواء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)(١).
فقال الإمام عليهالسلام : أصابكم حاصب ، ولا بقي منكم وابر (٢) أبعد إيماني بالله ، وهجرتي مع رسول الله وجهادي في سبيل الله أقرّ بالكفر؟ لقد ظللت إذا وما أنا من المهتدين. ولكن منيت بمعشر أخفّاء إلهام ، سفهاء الأحلام ، والله المستعان (٣).
__________________
(١) الأنفال : ٥٨.
(٢) الحاصب : العذاب بالحصباء ، وابر النخيل : ملقّحها ومصلحها.
(٣) الأخبار الموفقيات : ٣٢٥ خ ١٨١ ، ورواها الطبري ٥ : ٨٤ عن أبي مخنف ، أطول ، وفي آخر الخبر : ثمّ انصرف. ونقله الرضيّ وزاد هنا : فأوبوا شرّ مآب وارجعوا على أثر الأعقاب ، أمّا إنكم ستلقون بعدي ذلّا شاملا وسيفا قاطعا ، وأثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة. نهج البلاغة خ ٥٨ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨١.