ومقتضى خاتمة هذا الخبر : أن معاوية كان قد استولى على الماء فمنعهم منه فاستردّه منه هؤلاء ، ولكنّهم هؤلاء لا يكافئونه فيمنعوه من الماء كما منعهم منه من قبل ، بل هم يدعونه إليه على سواء. هذا ولم يفترض في هذا الخبر سبق مقدمة معاوية بقيادة السلمي إلى الماء ، وإنما بدأ فجأة بقوله : «وعسكر عليّ على الماء» فاحتال معاوية بما أزاحهم عنه فارتحل حتّى نزل في منزلهم ، ثمّ لم يذكر أنه منعهم عن الماء إلّا أنه ذكر أن أهل العراق رجعوا فقاتلوا أهل الشام عليه حتّى ردّهم عنه إلى ثلاثة فراسخ (١٦ كم!) ألا ترى معي أن الخبر الأول أولى من هذا الثاني الملتوي هذه الالتواءات؟!
واستبطأ أصحابه إذن القتال :
ولما ملك أمير المؤمنين الماء بصفّين ، ومنّ به على الشاميين ، مكث أياما بلا قتال ولا مقال متبادل ، فاستبطأ العراقيون القتال فجاء جمع منهم إليه وقالوا له :
يا أمير المؤمنين ؛ خلّفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة! وجئنا إلى أطراف الشام لنتّخذها وطنا! ائذن لنا في القتال فقد قال الناس في ذلك! فقال : وما قالوا؟
فقال قائل منهم : إنّ من الناس من يظنّ أنك في شكّ من قتال أهل الشام! ويظنّون أنك تكره الحرب كراهية الموت (١)! فقال عليهالسلام :
أما قولكم : أكلّ ذلك كراهية الموت! فو الله ما أبالي دخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ! وأما قولكم : شكّا في (قتال) أهل الشام! فو الله ما دفعت الحرب يوما إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي ، فذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها ، وإن كانت هي تبوء بآثامها (٢).
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي الشافعي ٤ : ١٣.
(٢) نهج البلاغة خ ٥٥.