رسل السلام ومشورة الإمام :
وكأنّه اكتفى عن مشورة هؤلاء الخاصة بالمشورة العامّة :
قال البلاذري : كان رسول معاوية لاستجلاب عبيد الله : عبد الرحمن بن سمرة العبشمي ، فردّه نهارا جهارا وقبله وخلا به ليلا سرّا وصار معه إليه (١) وكأنّه لنجاحه في مهمّته وجّه به بعده إلى الحسن عليهالسلام ومعه آخر من عبد شمس هو عبد الله بن عامر ابن خالة عثمان ووالي البصرة سابقا. فقالا له : إن معاوية قد لجّ ، فننشدك الله أن تلجّ أنت فيهلك الناس بينكما ، وهو يعطيك كذا وكذا ويوليك الأمر بعده (٢).
وقال المفيد : وأنفذ إليه بكتب بعض أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به أو تسليمه إليه! واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة ، وعقد له عقودا ، كان في الوفاء بها مصالح شاملة! وعلم الحسن عليهالسلام احتياله بذلك واغتياله ، غير أنه لم يجد بدّا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه : من ضعف البصائر في حقّه ، والخلاف منهم له ، وما انطوى كثير منهم عليه من استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمّه له ومصيره إلى عدوّه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة (٣).
فدعا ابن عمّه عبد الله بن جعفر فقال له : إني رأيت رأيا ، وإني احبّ أن تتابعني عليه. قال : وما هو؟ قال : قد رأيت أن أعمد إلى المدينة واخلّي بين معاوية وبين هذا الحديث (الخلافة) فقد طالت الفتنة وسفكت فيها الدماء ، وقطعت فيها الأرحام وقطّعت السبل ، وعطّلت فروج (البلاد)!
__________________
(١) أنساب الأشراف ٣ : ٣٩.
(٢) أنساب الأشراف ٣ : ٤٣ هذا ومعاوية فوق الستين والحسن دون الأربعين.
(٣) الإرشاد ٢ : ١٣ ـ ١٤.