من تحت المغافر بصفين ، نازعوني مهجة نفسي حتّى نجوت منهم بعد نبأ عظيم وخطب جسيم ، وما يؤمّنني منهم يا ابن عثمان وقد أحلّوا بأبيك ما أحلّوا! فانصرف فنحن مخلفون لك خيرا من حائطك إن شاء الله (١)!
ولم يذكر خبر عن لقائه بعائشة ، ولعلّها لم تأذن له لقتله أخاها ابن أبي بكر بمصر فكانت تقنت عليه كما مرّ ، وكأنّه بلغه عنها أنها لا تراه أهلا للخلافة ، ودخل عليه الحسن عليهالسلام ومعاوية في صدر مجلس ضيق ولم يوسع للامام فاضطره للجلوس عند رجليه! ثمّ شكا إليه معاوية مقالة عائشة متعجبا منها ، فقال له الإمام : وأعجب من ذلك جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك! فضحك وجلس وقال : يا ابن أخي! بلغني أن عليك دينا؟ كم هو؟ قال : مائة ألف! فأمر له بثلاثمائة ألف! وكان يزيد مع أبيه فتعجّب من ذلك فقال له أبوه : يا بني ، إنّ الحقّ حقّهم ، فمن جاءك منهم فاحث له (٢)!
سعد ومعاوية في الطريق وفي مكة :
وكأنّ ابن أبي وقاص تنقّص معاوية في دينه من كلامه ، فعزم على أن لا يكلّمه بل لا يردّ سلامه.
فقد نقل الجهشياري : أن سعدا تقدم معاوية إلى مكة فلحقه معاوية في الطريق بين الطلوعين ومعه أهل الشام ، فوقف وسلّم عليه ، فلم يردّ عليه سعد سلامه! فقال معاوية لمن معه من أهل الشام : أتدرون من هذا؟ هذا سعد صاحب رسول الله ، لا يتكلم حتى تطلع الشمس! فبلغ ذلك سعدا فقال : بل كرهت أن أكلّمه (٣)!
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢١٢ ـ ٢١٤ م ٨ ، الحديث ٢٠ / ٣٧٠ عن المفيد وليس في أماليه.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ١٢ عن أمالي محمد بن حبيب.
(٣) الوزراء والكتّاب : ٤٣.