وشريح بن هاني وعديّ الطائي فتوافقوا أن يكلّموا الإمام عليهالسلام فجاءوا إليه وقالوا له : إن هؤلاء الذين أشاروا عليك بالمقام إنما خوّفوك من حرب الشام ، وليس في حربهم شيء أخوف من الموت ونحن نريده؟ فقال لهم (١) :
«إن استعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير إن أرادوه! ولكن قد وقّت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا ، والرأي مع الأناة فأرودوا (ارفقوا ؛ ولكن) لا أكره لكم الإعداد».
وكأنّه عليهالسلام أراد أن يطمئنهم أنه لا يداهن في دينه فقال لهم :
«ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه ، وقلّبت ظهره وبطنه ، فلم أر فيه إلّا القتال ، أو الكفر بما جاء به محمد صلىاللهعليهوآله» (٢).
القول الفصل :
ولمّا انتهى كتاب علي عليهالسلام إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب ثمّ قال له : يا معاوية ، إنه لا يطبع على قلب إلّا بذنب ، ولا يشرح إلّا بتوبة ، ولا أظنّ قلبك إلّا مطبوعا ، أراك قد وقفت بين الحقّ والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك!
فقال معاوية : ألقاك بالفصل في أول مجلس (بعد هذا) فلما ذاق أهل الشام وعرف بيعتهم له كتب إلى علي عليهالسلام بالحرب (٣).
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ٩٤.
(٢) نهج البلاغة خ ٤٣ ، ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٨٠. وقال المعتزلي الشافعي في شرحه ٢ : ٣٢٣ : سمّي الفسق كفرا تغليظا وتشديدا للزجر عنه.
(٣) وقعة صفين : ٥٦.