وكان رجل من أهل السواد (العراق) ولعلّه من غير المسلمين بها ، قد حضره ومعه كتاب إليه ، وكأنّه هنا توهّم أنّه تمّ كلامه ، فقام ورفع إليه كتابه ، فتوقّف الإمام عليهالسلام عن كلامه وتناول الكتاب وقرأه ، فلمّا فرغ منه قال له ابن عباس :
يا أمير المؤمنين ؛ لو اطّردت مقالتك (١) من حيث أقضيت! فقال عليهالسلام :
هيهات ـ يا ابن عباس ـ تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت (٢).
فكان ابن عباس يقول : فما أسفت على كلام كأسفي على كلام أمير المؤمنين إذ لم يبلغ به حيث أراد (٣).
كتابه للناس فيما ضاع من حقّه :
كأنّ ما كان من كلام الإمام عليهالسلام مع ابن عمّه ابن عباس مثيرا لجمع من أصحابه ، فاجتمع منهم الحارث الأعور الهمداني ، وحبّة العرني ، وحجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي (٤) واتّفقوا أن يدخلوا متّفقين على علي أمير المؤمنين عليهالسلام فيسألونه عن رأيه وقوله في أبي بكر وعمر ، وفعلوا ذلك ،
__________________
(١) كذا في السندين في علل الشرائع ومعاني الأخبار ، وكذا في إرشاد المفيد ١ : ٢٩٠ ، وارتضى الرضيّ أن يجعلها : خطبتك ، وعاد الطوسي في الأمالي عن الباقر عليهالسلام إلى : مقالتك.
(٢) الشقشقة : هي شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج غضبا لئلّا يعضّ الناس! فشبّه الإمام كلامه بالشقشقة التي تخرج علامة على غضب الإبل وهياجها ، فإذا فتر غضبها وهياجها قرّت ، كذلك فتر ما هاج في الإمام من الحزن والألم بفعل فاصل قراءته لكتاب السوادي العراقي ، فقرّ عن شكواه.
(٣) انظر المصادر السالفة الذكر ، وقد ذكر الصدوق معاني الكلمات في الكتابين.
(٤) هنا زاد في الغارات : عبد الله بن سبأ ، وفي الإمامة والسياسة : عبد الله بن وهب الراسبي ، وقد قتل قبل في النهروان.