وتمادى الناس في القتال قبل وقفه فتضاربوا بالسيوف حتّى تعطّفت كالمناجل ، وتطاعنوا بالرماح حتّى تناثرت أسنّتها وتكسّرت ، ثمّ تراموا بالصخر والحجارة ، ثمّ تحاثّوا بالتراب في الوجوه ، ثمّ تعانقوا وتكادموا بالأفواه! ثمّ تحاجزوا وتمايزوا يخرج الشاميّ إليهم ويخرج العراقي منهم (١)!
وكان حريث بن جابر الحنفي نازلا في قبة حمراء بين العسكرين ، قد أعد اللحم والثريد والسويق طعاما واللبن والماء شرابا للمقاتلين (٢).
وكان أبو سماك الأسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة من حديد ، فإذا رأى رجلا جريحا وبه رمق يقعده ويسأله : من أمير المؤمنين؟ فإن سكت وجأه بالسكين حتّى يموت ، وإن قال : عليّ ، غسل عنه الدم وسقاه الماء (٣).
وأما أخبار عمّار :
وأمّا أخبار عمار في هذا اليوم الخميس التاسع من صفر القتال ، فإنه خطب فقال :
عباد الله ، امضوا معي إلى قوم يطلبون ـ فيما يزعمون ـ بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله! إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون ـ إذا سلمت لهم دنياهم ـ لو درس هذا الدين : لم قتلتموه؟ فقلنا لأحداثه. فقالوا : إنه ما أحدث شيئا! وذلك لأنه مكّنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدّت عليهم الجبال. والله ما أظنّهم يطلبون دمه ، إنهم ليعلمون أنه لظالم! ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبّوها
__________________
(١) وقعة صفين : ٣٠٤.
(٢) وقعة صفين : ٣٠١.
(٣) وقعة صفين : ٣٣٧.