وتشبّث الأشعث بالقشّة :
وكأنّ الأشعث الكندي أمسى أشعث أغبر من الردّ العنيف من الإمام عليهالسلام على كلامه له ، فكأنّه رام الانتقام أو الانتقاص منه! وكان عمر بن الخطاب يدني الأعراب ويباعد الموالي ، وكان الإمام عليهالسلام على عكسه أميل إلى الموالي وألطف بهم! وكانت العرب تسمّي الموالي العجم بالحمراء ، وكانوا في الكوفة قد أسلموا وأطافوا بالإمام عليهالسلام حتّى كأنّهم تغلّبوا عليه أكثر من العرب والأعراب.
ودخل الأشعث المسجد يوما ورأى الحال كذلك ، فأخذ يتخطّى الناس ليتقرّب إلى الإمام عليهالسلام زلفى لديه حتّى توصّل إليه فتقوّل لديه :
يا أمير المؤمنين ؛ غلبتنا هذه الحمراء على وجهك؟! فكأنّه غضب الإمام عليهالسلام وقال : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة (الضخام بلا أفهام) يتقيّل أحدهم (ينام القيلولة) يتقلّب على حشاياه (فراشه) ويهجّر قوم (يخرج في هجير الحرّ) لذكر الله فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين ، ثمّ قال : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد سمعت محمدا صلىاللهعليهوآله يقول : «ليضربنّكم (الفرس) والله على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا» (١).
وكأنّ الإمام عليهالسلام كان يرى هذا القدر من التأنيب غير كاف ، فنسبه إلى بقايا قوم ثمود وقال : أين (هذا) الثموديّ؟! فاطّلع الأشعث! فأخذ الإمام كفّا من الحصى وضرب به وجهه فأدماه وناداه : ترحا لهذا الوجه! ترحا لهذا الوجه! فانجفل الأشعث هاربا وانجفل معه الناس (٢)!
__________________
(١) الغارات ٢ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩.
(٢) الغارات ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠١ مسندا ، فهل يستبعد أن يبعّد الناس عنه ويدبّر لقتله؟!