ثمّ ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان ؛ فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه :
فأيّنا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله؟! أمن بذل له نصرته ، فاستقعده واستكفّه؟! أم من استنصره (عثمان من معاوية) فتراخى عنه وبث المنون عليه حتى أتى قدره عليه؟! وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا (بدعا) فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له «فربّ ملوم لا ذنب له» و «قد يستفيد الظنّة المتنصّح» وما أردت (إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(١).
وذكرت : أن ليس لي ولأصحابي عندك إلّا السيف! فلقد أضحكت بعد استعبار! متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين وبالسيف مخوّفين؟! فلبث قليلا يلحق الهيجا حمل! فسيطلبك من تطلب ويقرب منك ما تستبعد! فأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ساطع قتامهم! متسربلين سرابيل الموت! أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربهم ، وقد صحبهم ذريّة بدرية وسيوف هاشمية ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك (حنظلة) وخالك (الوليد) وجدك (عتبة) وأهلك (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(٢).
وكتب إلى معاوية أيضا :
«أما بعد ، فإنك قد رأيت من الدنيا وتصرّفها بأهلها ، وإلى ما مضى منها ، وخير ما بقي من الدنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضى ، ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بونا بعيدا.
__________________
(١) هود : ٨٨.
(٢) هود : ٨٣ ، والكتاب في نهج البلاغة ك : ٢٨ ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٩٥ ، والخبر في شرح النهج للمعتزلي الشافعي ١٥ : ١٨٤ ـ ١٨٨.