واعلم ـ يا معاوية ـ أنك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية! ولست تقول فيه بأمر بيّن تعرف لك به أثرة ، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ، ولا عهد تدّعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها وركنت إلى لذّتها ، وخلّى فيما بينك وبين عدوّ جاهد ملحّ ، مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها وقادتك فاتّبعتها وأمرتك فاطعتها.
فاقعس عن هذا الأمر وخذ أهبة الحساب ؛ فإنه يوشك أن يقف واقف على ما لا يجنّك منه مجنّ!
ومتى كنتم ـ يا معاوية ـ ساسة للرعيّة أو ولاة لأمر هذه الأمة؟ بغير قدم حسن ، ولا شرف سابق على قومكم! فشمّر لما قد نزل بك ، ولا تمكّن الشيطان من بغيته فيك.
مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان! فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء! وإن لا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك : فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه ، فجرى منك مجرى الدم في العروق!
واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم ليحسدونا وامتنّوا به علينا! ولكنّه قضاء ممّن امتنّ به علينا على لسان نبيّه الصادق المصدّق (١)! لا أفلح من شك بعد العرفان والبيّنة! اللهم احكم بيننا وبين عدوّنا بالحق وأنت أحكم الحاكمين» (٢).
__________________
(١) معناه : أن الله تعالى امتنّ بأمر الإمامة والخلافة علينا قضاء منه على لسان نبيّه ، فهو تصريح بالاستخلاف بالنصّ ، ونقله المعتزلي الشافعي في شرح النهج ١٥ : ٨٧ ولم يتكلّم فيه تأويلا ، وإنّما نقله عن وقعة صفين : ١٠٨ تعديلا لما نقله الرضيّ في نهج البلاغة ك ١٠ قال عنه المعتزلي : ما نقله الرضيّ قد ضمّ إليه كتابا آخر على عادته في التقاط البليغ من كلامه.
(٢) وقعة صفين : ١٠٨.