ولا تكونوا شتّامين لعّانين :
ولحق عمرو بن الحمق الخزاعي بحجر بن عديّ الكندي وخرجا يجاهران بلعن أهل الشام ، وبلغ ذلك الإمام ، فأرسل إليهما : أن كفّا عمّا يبلغني عنكما!
فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا محقّين؟! فلم منعتنا من شتمهم؟!
فقال عليهالسلام لهما : كرهت لكم أن تكونوا شتّامين تشتمون وتتبرءون ، ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ومن عملهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر. ولو قلتم ـ مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم ـ : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتى يعرف الحقّ منهم من جهله ، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به. كان هذا أحبّ إليّ وخيرا لكم (١).
فقالا : يا أمير المؤمنين ، نقبل عظتك ونتأدّب بأدبك.
ثمّ قال عمرو بن الحمق : إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ، ولكن أجبتك لخمس خصال :
__________________
(١) وقعة صفين : ١٠٣ ، وفي نهج البلاغة خ ٢٠٦ ، ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٩١. واختزل الخبر القاضي النعمان المصري المغربي في شرح الأخبار ٢ : ١٦٥ فقال : سمعه يلعن أهل الشام فقال له : لا تلعنهم والعن معاوية وعمرو بن العاص وشيعتهما ، وهو كان يلعنهم في قنوته ، وكذلك لعن رسول الله رءوس المشركين وأتباعهم يوم احد ومنهم أبو سفيان ومعاوية. هذا ، ولكن سيأتي أنّ هذا إنما كان بعد حكم الحكمين بالباطل ، والتبس الأمر هنا على القاضي النعمان.