وخرج قدامة بخمسين رجلا من قومه (١) حتّى دخل البصرة وبدأ بزياد فرحّب به وأجلسه إلى جانبه وناجاه ساعة وساءله ، فكان من وصيّته له أن قال له : احذر على نفسك واتق أن تلقى ما لقي القادم قبلك! وخرج جارية من عنده وقد اجتمع الأزد فقام فيهم وقال لهم : جزاكم الله من حيّ خيرا ، ما أعظم عناءكم وأحسن بلاءكم وأطوعكم لأميركم ، وقد عرفتم الحقّ إذ ضيّعه من أنكره ، ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه. ثمّ قرأ عليهم كتاب الإمام إليهم ، وفيهم زعيمهم صاحب الدار صبرة بن شيمان فقال له :
سمعنا وأطعنا ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ولمن سالم أمير المؤمنين سلم ، إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك ، وإن أحببت أن ننصرك نصرناك. وقام غيره من وجوههم فقالوا مثله (٢).
خطاب زياد في الأزد :
وقام زياد في الأزد فقال لهم : يا معشر الأزد ؛ إنّ هؤلاء (بني تميم) كانوا بالأمس سلما فاصبحوا اليوم حربا ، وإنّكم كنتم حربا فأصبحتم اليوم سلما! وإنّي ـ والله ـ ما اخترتكم إلّا على التجربة ، ولا أقمت فيكم إلّا على التأمّل ، فما رضيتم أن أجرتموني حتّى نصبتم لي منبرا وسريرا ، وجعلتم لي شرطا وأعوانا ، ومناديا وجمعة! فما فقدت بحضرتكم شيئا إلّا هذا الدرهم أن أجبيه ، فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله.
__________________
(١) كذا في الغارات والطبري ، وفي أنساب الأشراف ٢ : ٣٣٣ الحديث ٥١٠ عن أبي عبيدة القاسم بن سلّام البصري : أنّهم كانوا ألفا وخمسمائة. وهو الأقرب الأنسب.
(٢) الغارات ٢ : ٤٠١ ـ ٤٠٤.