واعلموا أنّ حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم في الدين والدنيا من حربكم أمس عليّا! وقد قدم عليكم جارية بن قدامة ، وإنما أرسله علي ليصدع أمر قومه ، والله ما هو بالأمير المطاع ولا بالمغلوب المستغيث ، ولو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو كان لي تبعا. وأنتم الهامة العظمى والجمرة الحامية ، فقدّموه إلى قومه. فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك. وسكت.
وكان زعيمهم شيمان أبو صبرة غير حاضر يوم الجمل فقام وقال لزياد : يا زياد ، والله لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت أن لم يكونوا يقاتلوا عليّا! وقد مضى الأمر بما فيه ، وهو يوم بيوم وأمر بأمر ، والله إلى الجزاء بالإحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسيّئ ، والتوبة مع الحقّ والعفو مع الندم ، ولو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء واستئناف الأمور ، ولكنّها جماعة دماؤها حرام وجروحها قصاص ، ونحن معك ، فقدّم هواك نحبّ ما أحببت! وسكت.
فقام ابنه صبرة وقال : إنا والله ما أصبنا بمصيبة في دين ولا دنيا كما أصبنا يوم الجمل ، وإنا لنرجوا اليوم أن نمحّص ذلك بطاعة الله وطاعة أمير المؤمنين. ثمّ التفت إلى زياد وقال له :
وأما أنت يا زياد! فو الله ما أدركت أملك فينا ولا أدركنا أملنا فيك دون ردّك إلى دارك ، ونحن رادّوك إليها غدا إن شاء الله تعالى ، فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منّا! فإنك إن لم تفعل نأت بما لا يشبهك! وإنا ـ والله ـ نخاف من حرب علي في الآخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا ، فقدّم هواك وأخّر هوانا ، فنحن معك وطوعك!
وكان جيفر بن الجلندي الأزدي العماني معهم فقام وقال لزياد : أيها الأمير ، إنك لو رضيت منّا بما ترضى به من غيرنا لم نرض نحن بذلك! ولو رضينا بذلك لكنّا قد خنّاك! لأنّ لنا عقدا مقدّما وحمدا مذكورا! فسر بنا إلى القوم إن شئت ، وايم الله ما لقينا يوما قط إلّا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلّا ما كان أمس.