ولقى يوما حبيب بن مسلمة الفهري القرشي من قادة معاوية فقال له : يا حبيب ، ربّ مسير لك في غير طاعة الله!
فقال معتزّا بالإثم : أما مسيري إلى أبيك (في صفّين) فليس من ذلك!
قال الإمام : بلى والله ، ولكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة ، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك! ولو كنت إذ فعلت شرّا قلت خيرا كان ذلك كما قال الله عزوجل : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)(١) ولكنّك كما قال الله سبحانه : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٢).
الحسين عليهالسلام والمعترضون :
ويوم وقف الحسين عليهالسلام على الغلمان يأمرهم بحمل متاعهم التقى به جندب بن عبد الله الأزدي وسعيد بن عبد الله الحنفي وسليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب بن نجبة الفزاري وعليهم ما بهم من الكآبة وسوء الهيئة ، فلما رأى ما بهم من ذلك ذكر لهم كراهية للصلح وقال : لكنت طيب النفس بالموت دونه! ولكن أخي عزم عليّ وناشدني فاطعته وكأنّما يحزّ أنفي بالمواسي ويشرّح قلبي بالمدى! وقد قال الله عزوجل : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً
__________________
(١) التوبة : ١٠٢.
(٢) المطفّفين : ١٤ ، والخبران في أنساب الأشراف ٣ : ١٣ و ١٤ ، الحديث ٩ و ١٠ عن المدائني بسنده ، وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ١٨ ، وفي مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٨ مرسلا.
ولم يدم العمر بالفهري بعد هذا كثيرا حتّى وجّهه معاوية إلى أرمينية سنة (٤٢ ه). فمات بها ، كما عن الاستيعاب ١ : ٣٢٧ ، وعليه فلا يصح أن ذلك كان في المسجد النبوي بالمدينة سنة حجّ معاوية ، فسيأتي أن ذلك كان سنة (٤٤ ه) أي بعد هلاك ابن حديج بعامين ، وانظر مسند الإمام المجتبى للعطاردي : باب ٥٨.