ويوم الخميس ٩ صفر وبعض الخطب :
لما طلع الفجر ليوم الخميس التاسع من صفر بادر الإمام بصلاة الفجر ، ثمّ خرج بالناس فزحف بهم ودعا بدعاء طويل نسبيّا وقال في آخره : إن أظهرتنا على عدوّنا فجنّبنا البغي وسدّدنا للحقّ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقيّة أصحابي من الفتنة.
فلما رأوه أقبل خرجوا إليه بزحوفهم ، وكان يومئذ على ميمنته عبد الله بن بديل الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس ، وهو في القلب في أهل المدينة والكوفة والبصرة ، وأكثرهم من أهل المدينة من الأنصار ومن خزاعة وكنانة. وكان القرّاء مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد وابن بديل (١).
وخطب الإمام فقال : «إنّ الله عزوجل قد دلّكم على تجارة تنجيكم من العذاب ، وتشفي بكم على الخير : إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله ، وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ، ومساكن طيّبة في جنات عدن ، ورضوان من الله أكبر ، وأخبركم بالذي يحبّ فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(٢) فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدّموا الدارع وأخّروا الحاسر ، وعضّوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن إلهام وأربط للجأش وأسكن للقلب. وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار. والتووا في أطراف الرماح ، فإنه أمور للأسنّة ، وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ، ولا تجعلوها إلّا في أيدي شجعانكم المانعي الذّمار ، والصّبر عند نزول الحقائق ، أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتكم ويكتنفونها ، يضربون خلفها وأمامها ولا يضيّعونها. أجزأ كلّ امرئ منكم ـ رحمهالله ـ وقد قرنه ، وواسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٣٢.
(٢) الصف : ٤.