فأدناه حتّى أجابه في أذنه ، فروى أنّه قال له : «ويحك إنّ عامّة (أكثر) من معي يعصيني ، وإنّ معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه» (١) فكشف له : أن الخاصّة أمثاله يريدون وقف القتال ، ولكن العامّة وهم الأكثر يعصونه في ذلك إن أراده.
حملة الإمام وخطبته :
وأرسل الإمام عليهالسلام إلى معاوية : أن ابرز لي وأعف الفريقين من القتال ، فأيّنا قتل صاحبه كان له الأمر ، وعلم ابن العاص بذلك فقال : لقد أنصفك الرجل! فقال معاوية : إني لأكره أن أبارز الشجاع الأهوج ، لعلك طمعت فيها يا عمرو!
فلما لم يجب معاوية قال علي عليهالسلام : وا نفساه! أيطاع معاوية وأعصى؟! ثمّ قال : ما قاتلت أمّة قطّ «أهل بيت» نبيّها وهي مقرّة بنبيّها إلّا هذه الأمّة!
ثمّ أرسل إلى أهل الكوفة والبصرة أن احملوا ، فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثمّ حملت خيل عليّ على صفوف أهل الشام فقوّضت صفوفهم (٢).
ثمّ وقف في ناس من أصحابه فقال لهم : «انهدّوا إليهم وعليكم السكينة وسيما الصالحين ووقار الإسلام ، والله لأقرب قوم من الجهل بالله عزوجل قوم قائدهم ومؤدّبهم : معاوية وابن النابغة (٣) وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الحرام والمجلود حدّا في الإسلام ، وهم أولاء يقومون فيقصبونني ويشتمونني ، وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام ، فالحمد لله ولا إله إلّا الله ، وقديما ما عاداني الفاسقون ، وإنّ هذا لهو الخطب
__________________
(١) وقعة صفين : ٣٧٩.
(٢) وقعة صفين : ٣٨٨.
(٣) النابغة اسم أم عمرو بن العاص ، كما في الإصابة برقم ٥٨٧٧.