فهذا من نماذج الأخبار التي تكشف عن مستوى إيمان الفريقين بعدالة قضيّتهم يوم لقائهم ، وأنّ ضعف إيمان فريق منهم لم يفت في أعضادهم ولا في إقدامهم على أن يقتلوا أو يقتلوا ويخسروا الدارين!
وقارن هذا بمقال جندب بن زهير الأزدي لما ندب أزد العراق إلى أزد الشام فقال : والله لو كنّا آباءهم ولدناهم أو كنّا أبناءهم ولدونا ، ثمّ خرجوا من جماعتنا وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الظالمين والحاكمين بغير الحق ، على أهل ملّتنا وديننا ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عمّا هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم!
قاله جوابا لأمير رايتهم مخنف بن سليم لما قال : إنّ من الخطب الجليل والبلاء العظيم : أنا صرفنا إلى قومنا وصرفوا إلينا ، فو الله ما هي إلّا أيدينا نقطعها بأيدينا! وما هي إلّا أجنحتنا نحذفها بأسيافنا! فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ولم نواس جماعتنا (أمّا ديننا!) وإن نحن فعلنا فعزّنا أبحنا ونارنا أخمدنا (١)!
وأمر الميسرة في ذلك اليوم :
كان ذلك شأن ميمنة الإمام عليهالسلام يوم الخميس التاسع من شهر صفر القتال. وأما خبر الميسرة في ذلك اليوم : فقد كان ذو الكلاع الحميري على حمير ومن لفّ لفّها في ميمنة أهل الشام ، ومعها عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قرّاء أهل الشام! قد بايعوا على الموت وثيابهم خضر أو عمائمهم! وكانت ربيعة في ميسرة العراق وعليهم عبد الله بن العباس ، ولم يكن للعراق قبائل أكثر عددا منها ومن همدان ومذحج. وضرب معاوية لحمير بسهم القرعة على القبائل الثلاث ،
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٦٢.