وقبل أن يتحاجزوا اليوم مع المغرب قال بنو بجيلة لأبي شداد قيس بن مكشوح الأحمسي : خذ رايتنا فقال لهم : غيري خير لكم مني. قالوا : ما نريد غيرك. قال : لئن أعطيتمونيها فو الله لا أنتهي بكم دون صاحب التّرس المذهّب يعني معاوية! قالوا : فاصنع ما شئت! فأخذها وزحف بها وهو يرتجز لهم ، ولم يتوقف حتى انتهى إلى معاوية ، فهناك حول معاوية اقتتل الناس قتالا شديدا ، وشدّ أبو شداد نحو صاحب التّرس ، وكان لمعاوية مولى روميّ قوي فتعرّض لأبي شداد فضرب رجله فقطعها ، وضربه أبو شداد فقتله ، وأخذت الأسنة أبا شداد فقتل ، وأخذ رايته عبد الله بن قلع الأحمسي فقاتل حتى قتل ، فأخذ رايته أخوه عبد الرحمن فقاتل حتّى قتل ، فأخذها عفيف بن إياس الأحمسي فقاتل حتّى دنا الغروب فتحاجزوا.
وكان من قتلاهم هناك نعيم بن صهيب البجلي ، وكان ابن عمّه نعيم بن الحارث مع معاوية ، وكان معاوية لا يواري غير قتلاه ولا يأذن بدفنهم! فاستأذنه نعيم لدفن ابن عمّه فأبى لأنّ عثمان لم يدفن إلّا سرّا! فهدّده إن لم يأذن له أن يلحق بأهل العراق! فأذن فدفنه (١).
وحين القتال قبل وقفه أرسل رأس خثعم الشام إلى رأس خثعم العراق : أن لا تقاتلونا فإن ظهر صاحبنا كنتم معنا ، ولا نقاتلكم فإن ظهر صاحبكم كنا معكم! فأبى أبو كعب رأس خثعم العراق ، والتقوا فتقاتلوا ، وحمل أحدهم على أبي كعب فطعنه وقتله ورجع يبكي ويقول : رحمك الله يا أبا كعب! لا أرى قريشا إلّا قد لعبت بنا! أنت أمسّ بي رحما وأحبّ نفسا فما أدري ما أقول! وصرع حول رايتهم منهم ثمانون رجلا واصيب من خثعم الشام نحو منهم (٢).
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(٢) وقعة صفين : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.