فقال له : هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم (أبو بكر) فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : أبو بكر! ثمّ ملك أخو عدي (عمر) فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر! ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به! وإن أخا هاشم ـ أو : ابن أبي كبشة ـ يصرخ به في كل يوم خمس مرّات : «أشهد أن محمّدا رسول الله» فأيّ عمل يبقى مع هذا؟ لا أمّ لك؟! لا والله إلّا دفنا دفنا!
نقل الخبر الزبير بن بكار ، عن المدائني ، عن مطرّف بن المغيرة قال : كان أبي يذهب كلّ ليلة فيتحدّث مع معاوية ثمّ ينصرف إليّ فيذكر من عقله ويعجب برأيه! وعاد ذات ليلة مغتما وأمسك عن العشاء فانتظرته ساعة ثمّ قلت له : ما لك أراك مغتما؟ فقال لي : يا بنيّ! جئتك من عند أخبث الناس وأكفرهم! قلت : وما ذاك؟ قال : فحدّث بذلك الحديث (١)!
وفد العراق لولاية عهد يزيد :
أجل ، أجّل المغيرة عشاءه مع ابنه المطرّف مغتما مما هاله من اكتشاف أشدّ الخبث والكفر والنفاق في صاحبه وأميره معاوية ، وإلّا فإنّ هذا لم يحرّك فيه الغيرة ليغيّر على معاوية ما وعده به من كفايته أمر أهل الكوفة لحملهم على الإذعان بولاية يزيد لعهد أبيه معاوية ، بل عاد إلى الكوفة وأخذ يذاكر من عرفه بتشيّعه
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٤٥٤ عن الموفّقيات للزبير بن بكار ، والاربلي في كشف الغمة ٢ : ٤٢ عنه كذلك ، وشرح النهج للمعتزلي ٥ : ١٢٠ كذلك ، ونقله المسعودي عن نديم المأمون للمأمون أيضا.