وكان الأشعث الكندي جهير الصوت (١) فرفع صوته وقال : يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا ، وكلّت سيوفنا ، ونصلت أسنّة رماحنا (خرجت منها) وتكسّر أكثرها! فارجع بنا إلى مصرنا نستعدّ بأحسن عدّتنا ، ولعلّ أمير المؤمنين يزيد في عدّتنا ... فإنّه أقوى لنا على عدوّنا ....
فقال عليهالسلام : يا معشر المهاجرين! ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ، ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين! فقالوا : يا أمير المؤمنين ، البرد شديد! فقال : إن القوم يجدون البرد كما تجدون ... فأبوا وشكوا البرد والجراحات ، فقال عليهالسلام : إنّ عدوّكم يألمون كما تألمون ويجدون البرد كما تجدون. فأبوا!
فلمّا رأى كراهيتهم قال : افّ لكم! إنّها سنّة جرت عليكم. ورجع إلى نخيلة الكوفة (٢).
وتمرّدت غنىّ وباهلة فأجلاهما :
روى الثقفي قال : كان الإمام عليهالسلام حين سار من الكوفة استخلف عليها هانئ بن هوذة النخعي ، وكان ممّن تخلّف عنه عن صفين واليوم رجال من غنى وباهلة ، فبلغ هانئا أنّهم يدعون على علي عليهالسلام أن يظفر به عدوّه! فكتب بذلك إلى الإمام عليهالسلام فكتب إليه : أن ينفيهم من الكوفة ويؤجّلهم لذلك ثلاثة أيّام! ولكنّه كأنّه لم يمكنه ذلك حتّى عاد الإمام عليهالسلام فقال : ادعوا لي غنيّا وباهلة و... فليأخذوا أعطياتهم! فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما لهم في الإسلام نصيب ، وإنّي لشاهد عليهم في منزلي عند الحوض والمقام المحمود : أنّهم أعدائي ، في الدنيا والآخرة! ولئن ثبتت
__________________
(١) أنساب الأشراف ٢ : ٢٨٧.
(٢) الغارات ١ : ٢٤ ـ ٢٩.